توريس .. قصة اللاعب الذي تدين له 3 أندية بأهم اللحظات

محمد عواد – كووورة – أعلن أتلتيكو مدريد انتقال فرناندو توريس إلى صفوفه، ليعود الإعصار الإسباني الذي توقف عن الدوران إلى المكان الذي نشأ فيه وأثبت موهبته بعد رحلة طويلة مر خلالها بليفربول وتشلسي وميلان.

ولأن ذاكرة البشر قصيرة، فإن توريس بات مهاجماً معيباً بسبب سنواته الأخيرة الكارثية التي تلت 10 سنوات مميزة، ويرى البعض أن عودته لأتلتيكو مدريد فيها نوع من تفضل حامل لقب الدوري الإسباني على ابنه، لكن الحقيقة إن لفرناندو الفضل الأول على ناديه، فلولا وجوده في جزء من تاريخ الروخي بلانكوس لما حقق مشروع الفريق الإسباني النجاحات الأخيرة.

العودة بأتلتيكو إلى الدرجة الممتازة .. ثم إطلاق المشروع
لعب فرناندو توريس مع أتلتيكو مدريد الموسم كاملاً 2001-2002، وكان فريقه وقتها في الدرجة الثانية، الشاب الصغير بدأ مسيرته كأساسي في ذلك الموسم وهو يبلغ من العمر 17 عاماً، ليلعب 36 مباراة من أصل 42، وساهم بشكل فاعل بعودة من كان بطل الدوري عام 1996 إلى البطولة، علماً أنه بدأ اللعب مع الفريق الأول في الموسم الذي سبقه لكن بدور محدود.

في موسمه الأول في الليجا، ورغم صغر سنه، أعلن هذا الشاب عن حضوره فسجل 13 هدفاً، ومن أول ظهور له أمام الكبار شعروا بأن ضيفاً ثقيلاً بدأ يتكون في مدريد، ثم أضاف في الموسم التالي 19 هدفاً، ليبقى هداف فريقه لخمسة مواسم متتالية، حتى جاء وقت رحيله إلى ليفربول بعد فترة أعادت لأتلتيكو بعضاً من صحته، فتأهل مرتين إلى بطولة الدوري الأوروبي.

فضل توريس على أتلتيكو مدريد ليس فقط من خلال مساهمته بوضع أسس المشروع الذي استمر حتى التتويج بالألقاب، بل إنه عندما انتقل جلب للفريق مبلغ 25 مليون جنيه استرليني بالإضافة للاعب خبير مثل لويس جارسيا، وتم استخدام دخل صفته بتمويل التعاقد مع دييجو فورلان الذي كان نقطة تحول تاريخية للنادي، فساعد الثنائي الذي تكون بينه وبين أجويرو على العودة إلى دوري أبطال أوروبا والفوز بلقب الدوري الأوروبي، بالإضافة إلى جلب البرتغالي سيماو الجناح المميز في نفس الموسم.

فكرة بيع توريس وجلبها المال الكثير، أوحت لإدارة أتلتيكو مدريد بشكل جديد من الإدارة، فبعد أن كانوا يشترون للموسم المقبل فقط، أطلقوا مشروع جلب بعض المواهب الشابة لبيعهم نجوماً،  وفي ذلك الصيف الذي رحل فيه النينو، كان شراء الشاب الذي لم يسمع به أحد آنذاك .. دييجو كوستا.

خروج توريس، كان بداية شكل جديد لمشروع رياضي مختلف التفكير، مشروع آمن بأن البيع جزء من التطور، وآمن بأن العمل للغد لا يكفي، بل لا بد من التفكير لما هو أبعد من ذلك.

يعود الآن فرناندو توريس بشكل مختلف، فهو الناضج الذي جاء ليشفي جراحه ويبيض صورته، ولم يعد الشاب المخصص للبيع في المستقبل، يعود بعد أن حصد كل الألقاب الممكنة في عالم كرة القدم، في حين أن أتلتيكو مدريد بات قوياً متماسكاً، وباتت أهدافه أكبر من محاولة التأهل للدوري الأوروبي أو البقاء في الليجا، وهي عودة لخدمة مشاريع تسويقية بالإضافة لكونه صفقة رياضية.

ليفربول .. المركز الثاني ولويس سواريز
احتل ليفربول المركز الثاني في الدوري الإنجليزي موسم 2001-2002 وبفارق 7 نقاط عن البطل ارسنال، ولم يستطع العودة إلى ذلك المركز من جديد إلا في موسم 2008-2009، وكان الفارق هذه المرة 4 نقاط عن المتصدر مانشستر يونايتد.

العلامة الفارقة في عودة ليفربول إلى المركز الثاني في الدوري المحلي كانت فرناندو توريس، صائد المباريات الكبيرة، والحاسم الأول للفريق، ولكن ما جرى من بيع لاعبين وجلب لاعبين شباب أقل جودة لاحقاً، دمر المواسم التالية لتوريس.

عاد فرناندو ليكون مشروعاً لوحده عند بيعه، فالأموال التي جلبها للفريق كانت سبباً في شراء لويس سواريز الذي قاد ليفربول إلى المركز الثاني الموسم الماضي، قبل أن يتم بيع الأرجوياني مقابل ما يزيد عن 80 مليون يورو لتعزيز خزائن الريدز، ولو أنفق كيني دالجليش المبلغ الباقي من صفقة النينو بعقلانية أفضل مما فعله عند دفع 41 مليون يورو على أندي كارول، لربما تغير مسار النادي بشكل كامل كما حصل عند بيعه أول مرة مع أتلتيكو مدريد.

توريس هو الأصل .. قبل المقارنة مع الأخرين
من المنطقي أن يقارن كثيرون بين فرناندو توريس وفالكاو وكوستا وأجويرو وفورلان في أتلتيكو مدريد، أو مع لويس سواريز في ليفربول، ولكن هذه المقارنات ظالمة، فهي مثل مقارنة البيضة مع الدجاجة، فالأصل هو توريس، ولولا وجوده لفترة ثم بيعه، لما كانت الأموال متوفرة لشراء غيره.

فالمسألة نسبية، ولو كانت المقارنة نسبياً لما قدمه أي منهم لأتلتيكو مدريد أو ليفربول، فإن توريس يبقى صاحب الأفضلية ولو تفوق عليه الآخرون بالأرقام التهديفية وحتى النتائج، لأنه لو لم يمر من هناك، لما كان الذين بعده.

تشلسي .. هدف لا ينسى
لم تكن قصة توريس مع تشلسي سعيدة أبداً، فهو بالتأكيد أحد أسوأ الصفقات في تاريخ النادي من حيث المردود مقارنة بالسعر المدفوع لأجله، لكنه سجل هدفاً سيبقى في ذاكرة البلوز إلى الأبد.

صحيح أن دي ماتيو لم يعتمد على توريس إلا في 10 دقائق من مواجهتين أمام برشلونة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2012، وصحيح أن نتيجة 2-1 كانت تعني تأهل تشلسي المنقوص عددياً إلى المباراة النهائية، لكن من غير الصحيح القول إن هدف توريس الذي جاء بالتعادل لم يكن مهماً.

فتوريس الذي انطلق في الدقيقة الأخيرة من اللقاء مستقبلاً الكرة وحده في نصف ملعب برشلونة وحاسما الأمور، تلقى الكرة بعد هجمة خطيرة لبرشلونة على مشارف منطقة الجزاء، حيث حاول تشافي هرنانديز التمرير في عمق دفاع الفريق الأزرق، ولو لم يكن توريس في المكان الصحيح في تلك اللحظة لربما كان هناك فرصة أخيرة لبرشلونة لا أحد يعرف ما هي نتائجها.

فرحة روبرتو دي ماتيو ولاعبي تشلسي بالهدف تكشف عن أهميته النفسية رغم قرب انتهاء اللقاء، وردات الفعل الشهيرة للصحف الإنجليزية والنجوم بعد الهدف تؤكد أنه لم يكن هدفاً “شرفياً”، بالإضافة إلى ما قام به رومان أبراموفيتش بعد اللقاء بزيارة غرفة تغيير الملابس للاعبين وتحدثه شخصياً مع النينو قائلاً له “لن ترحل من هنا”.

الخلاصة
في أتلتيكو مدريد كان القاعدة لبناء مشروع جديد عاد من جراح الدرجة الثانية، وفي بيعه كانت سيولة لجلب لاعبين تقدموا بالفريق خطوة إلى الأمام، وإلهاماً لإطلاق مشروع بلمسة استراتيجية تغيب عن كثير من فرق اسبانيا.

أما في ليفربول، فأعادهم إلى الواجهة والمنافسة على اللقب بعد 7 سنوات، ثم كان في أمواله جلب أحد أفضل المهاجمين في تاريخهم ألا وهو لويس سواريز الذي أعادهم للمركز الثاني، كما أن الأخير كان مصدر دخل كبير للإنفاق على العديد من الصفقات التي لم تقدم المتوقع منها حتى الآن، لكن من تابعها في الماضي يعرف أنها تستطيع نقل الفريق إلى الأمام لو وظفت بالشكل الصحيح، وما تحسن ماركوفيتش ولالانا مؤخراً إلا دليل على ذلك.

وفي تشلسي، صحيح أنه لم يستطع سداد المبلغ المدفوع من أجله، لكن العشر سنوات الأخيرة في البلوز لم تكن أبداً تتعلق بالمال بقدر ما كانت تتعلق بوضع اسم النادي ضمن الكبار، ولترسيخ هذا الاسم احتاج الفريق لمعجزة 2012 الذي تصدف أن يكون توريس جزءاً منها في لحظة صعبة في عالم كرة القدم.

لا يمكن لأتلتيكو مدريد أن يشعر بأن له اليد العليا على فرناندو توريس وإن عاد جريحاً وليس في ذات بريق يوم رحيله، لأن لتوريس فضل في الماضي ساعد بجمال الحاضر، لتكون المسألة نوع من التعادل فيما بين الطرفين.

تابع جديدنا على الفيسبوك:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *