بقلم : إسلام صالح
شهد سوق انتقالات اللاعبين تضخماً غير مسبوق في آخر الأعوام ، فلم يخف الجميع اندهاشه واستغرابه بل و أيضا استنكاره لتلك الظاهرة المتفاقمة مؤخرا ، و لكن لما لا ننظر إلى حقيقة انعكاس تلك الظاهرة على مستقبل اللعبة .
-الإعلام المتهم الأول !
أصبح الإعلام في عصرنا الحالي هو المحرك الرئيس للأحداث ، فتجد الإعلام يظهر بعض اللاعبين و يراقبهم و يضخمهم ، كأنما يدق أجراس المزايدة على كل لاعب ، فيفوز بالمزاد من يدفع أكثر .
و يمتد دور الإعلام بعد ذلك إلى تسليط الضوء على الصفقات المجنونة لينقل كالعادة صورة غير كاملة للواقع .
-الصورة الكاملة
النسبة الأكبر من الانتقالات تمت بهدوء بعيدا عن الإعلام ، راجع الانتقالات في فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و حتى أسبانيا ستجدها كلها معقولة تقريبا ، حتى ريال مدريد كل انتقالاته معقولة حتى الآن على غير العادة .
المتابع للانتقالات الحقيقية سيجد لاعبون ينتقلون بأسعار عادية باستثناء إنجلترا و بعض الصفقات الضرورية لبعض الفرق ، حتى اي سي ميلان مع كل تلك الضجة أتم انتقالاته بأسعار معقولة جدا بل و أقل من المعقولة أحيانا .
-روح روبن هود تحوم في أرجاء القارة العجوز .
في القصة القديمة كان روبن هود يقوم بالسرقة من الانجليز الأغنياء و يعطى المال للفقراء و المحتاجين , و كذلك يحدث الآن بعدما تضخمت عائدات البث و حقوق الرعاية و الجوائز في كرة القدم الإنجليزية ، فلك أن تتخيل أن الفوز بدرع الدوري الانجليزي مربح أكثر من الفوز بالغالية صاحبة الأذنين كأس دوري أبطال أوربا ! ، فأصبحت القوة الشرائية لفرق الوسط الانجليزية أقوى من أغلب أندية الدوريات الاخرى .
أضف إلى ذلك الإعلام الانجليزي الثرثار صانع البالونات و مضخم اللاعبين المتوسطين و مقدمهم كلاعبين من أعلى طراز .
-عدالة السماء
كانت النتيجة لذلك الطرف استحضار روح روبن هود لتأخذ الفرق الأخرى حصتها من الثراء الفاحش للأندية الإنجليزية ، فبات لسان الحال ” تريد أن تشتري لاعب من عندي فلتدفع فأنا أعلم أنك غني ” .
-و لكن كيف يتحول ذلك الجنون إلى الحسنة الأفضل في تاريخ كرة القدم ؟
1- ستقوم العديد من الأندية بالاعتماد على أبنائها لتوفير نفقات انتداب لاعب من فريق أخر .
2- ستقوم الفرق بزيادة الاستثمار في الأكاديميات و الاعتماد على الكشافة لجلب اللاعبين البراعم و العمل على تطويرهم ، فتوفير ثمن لاعب واحد قد ينشئ أكاديمية عظيمة و يمول العمل داخلها لسنوات .
3- ستتمسك الفرق بلاعبيها ، في عودة لزمن الولاء للفرق بدلا من زمن الرحالة الحالي .
4- إعادة تدوير اللاعبين ، حيث ستعيد الفرق اكتشاف اللاعبين فنجد الظهير البرازيلي دانيلو خير مثال على ذلك فجنون الأسعار دفع جوارديولا لانتدابه و محاولة إعادة اكتشافه و تقديمه من جديد ، في فرصة ذهبية لم يكن ليجدها اللاعب في ظروف طبيعية .
5- ستتراجع انتقالات اللاعبين النجوم أمام انتقالات اللاعبين المغمورين و أيضا انتقالات اللاعبين الكبار أمام الشباب ، و هو ما سيفتح المجال لإتاحة فرصة أكبر للشباب
.
6- ستعمل الفرق على إطالة عمر لاعبيها و الصبر عليهم ، بسبب ارتفاع كلفة تعويضهم ، و هو ما سيفيد اللاعبين جدا في استمرار مسيرتهم لسنوات أكثر .
7- بارقة الأمل للفرق الصغيرة ، ففي الماضي اعتادت الفرق الصغيرة على بيع عديد اللاعبين فقط لتعيش , أما الآن فيكفي أن يقدم لاعب واحد شاب موسم واحد جيد كل عدة سنوات ، فمثلا بيلوتي مهاجم تورينو ، قد يحصل النادي على مائة مليون يورو مقابل اللاعب الشاب ، فيتم استخدام المبلغ في اكتشاف عدة لاعبين و تطوير البنية التحتية للنادي و توفير أجور اللاعبين و العاملين لعدة سنوات قادمة ، دون الحاجة لبيع نصف الفريق لسداد الأجور المتأخرة فقط كما كان يحدث بالماضي .
-التعويم و التمييع
كل تلك الأمور تدركها الفيفا جيدا و تعلم مدى أهميتها في تطوير اللعبة و سيدفعها ذلك إلى تميع القوانين المالية ، و هذا صواب لأن ما يحدث الآن صحيح اقتصاديا بنسبة 100% ، فالأمر أشبه بما تفعله الدول النامية في عملتها بما يعرف بتعويم العملة ، فيرتفع ثمن الواردات و تزدهر الصادرات ، فمن ينتج يربح و من يستهلك يدفع ، فتكون المحصلة النهائية إعادة توزيع للموازين المالية بالتزامن مع النمو المتزايد في البنية التحتية .
-صحيح أن بعض الانتقالات مستفزة و بضع منها صفقات بين الفرق الكبرى و بعضها بعيد عن الصغار ، و لكن الصورة الأوسع أن تلك الأموال عاجل أم أجل سيعاد ضخها في صفقات أخرى للاعبين من فرق صغرى أو متوسطة و التي ستصب عندها تلك الأموال في نهاية المطاف ، فهي الأكثر بيعا من الفرق الكبرى .