محمد عواد – سبورت 360 – انتشرت مؤخراً تطبيقات عديدة كمواقع الكترونية أو على أجهزة الهاتف الذكية، يقوم مبدأها على التنافس من حيث توقع النتائج بشكل صحيح، أو توقع بعض التفاصيل الأخرى.
ومن الملاحظ أيضاً في شبكات التواصل الاجتماعي، أن البعض يعيد نشر ما توقعه من نتائج مباريات صحيحة، وبالتأكيد هذا البعض يتغاضى عن توقعاته الخاطئة، فما علاقة توقع نتائج المباريات بفهم كرة القدم الصحيح؟
أفضل حاسوب .. 70%
رغم محاولة بعض الأنظمة الخاصة بتوقع نتائج مباريات كرة القدم الإدعاء بأنها تصل بدقتها إلى 85% ، لكن مراقبين مستقلين ودراسات تؤكد أن أفضل أنظمة التوقع المحوسبة الحالية لا تزيد دقتها عن 70%.
وهذه الأنظمة المحوسبة لا تأخذ عنصراً أو اثنين بتوقعاتها مثلما يفعل العقل البشري، بل يدخل فيها الاف المتغيرات لدرجة أن بعضها يستخدم توقيت المباراة ما بين ظهر ومساء، ودرجة الحرارة، وتاريخ كل لاعب من اللاعبين ضد الفريق الأخر، وغيرها من العناصر التي قد تصل لنتائج مباريات أخرى جرت في نفس الأسبوع، وتأثيرها التاريخي على نتائج مباراة معينة.
رغم ذلك تصل دقة كل هذا الربط العلمي إلى 70%، رغم أنها تستخدم أفضل الأنظمية الإحصائية وعلم تحليل الأرقام، للوصول إلى نظام محوسب يتوقع المباراة، ويطور نفسه ويتعلم بناء على الأحداث بشكل تلقائي.
بالتالي يمكن القول “ليس هناك إنسان يتوقع كل النتائج صحيحة، وإنما أفضل ما قد يصله شخص يبني توقعاته على أساس علمي مطلق ويأخذ وقته بتوقع كل مباراة قد لا يزيد عن 70% في حال تفوق عقله على الكومبيوتر”.
من ملاحظتي .. الأفضل فهماً الأسوأ توقعاً!
من ملاحظتي لما يجري في وسائل الإعلام العربي بشكل خاص، فإن الأفضل فهماً للعبة، والأكثر إقناعاً في تفسيره للأمور، هو الأسوأ توقعاً للعادة.
قد يكون هذا سببه أنه مؤمن بمبادىء معينة، وهي تعتبر أساسية في فهم اللعبة، لكنه يعطيها وزناً أعلى من وزنها الطبيعي، وبالتالي تتأثر توقعاته، لأن القاعدة الأساسية التي لن تتغير “كرة القدم ليست علماً بقواعد ثابتة، فهي علم لكن ليس المدخلات فيه يعطي نفس النتائج، على العكس من علوم أخرى نعرفها”.
هؤلاء الذين يتعمقون كثيراً، يقعون في فخ فلسفة معينة تجعلهم يعتقدون أنها السر، وبالتالي سينظرون ويحللون ما قبل الحدث من خلالها، وفي كثير الأحيان تأتي النتائج مختلفة، لكن لا داعي للقلق، فهذا أمر لا يعني شيئاً.
هناك عناصر غير قابلة للتوقع .. ولكن لماذا نصيب أحياناً لفترة طويلة بشكل صحيح؟
هناك عناصر في كرة القدم غير قابلة للتوقع، فخطأ تحكيمي، أو لاعب في غير يومه، أو طرد مبكر، أو أهداف مبكرة من ركلات ثابتة تجعل أي توقع مبني على منطق يفشل.
مثلاً، عندما فاز ريال مدريد في ملعبه 1-0، كان من غير المنطق توقع فوزه في الإياب 4-0 خارج ملعبه، لأنه في ملعبه لم يكن الطرف الساحق بل اضطر للدفاع في معظم الدقائق، وبالتالي توقع نتيجة كبيرة ولو أصاب، فهو توقع ليس مبني على منطق بل على عواطف، لكن رأسيات رأموس المبكرة هزت البافاري وصنعت نتيجة غير متوقعة.
بعد تلك المباراة لا يمكنني الإشادة بمن توقع فوز ريال مدريد 4-0، لأنه بالنسبة لي أقرب لحالم أصاب حلمه صدفة، وليس ذلك دليل أبداً على أنه كان يعرف ما سيجري، أو يعرف لماذا جرى حتى الآن بعد أن شاهد المباراة.
هل يمكنك توقع مثل هذا الهدف؟
لكن لماذا نصيب أحياناً لفترة طويلة ونبدو عباقرة أمام أنفسنا؟
يمكن تفسير الأمر بناء على أمرين؛ شعور سيطر عليك فلحقته، ومن عادة الحياة أن تكافىء هؤلاء، مثلاً كنت قد توقعت أن يسجل جاريث بيل في نهائي دوري الأبطال لريال مدريد، قبل أن يشتريه ريال مدريد أساساً، وهو أمر حصل، وبالتالي هل هذا فهم؟ صراحة لا، لكنني استيقظت في صباح يوم أثناء إشاعات انتقاله، وتخيلت أن الريال دائماً يحتاج لهدف من أجل العاشرة، فآمنت أن بيل سيسجله.
ذلك توقع الشعور أو العاطفة الذي ينجح في أحيان ويستمر لفترة قبل أن ينقطع، لكن هناك توقع التحليل، الذي يأخذ الأمور من زاوية معينة، وتأتي أفكار المدربين وأقدام اللاعبين لتطبق هذه الزاوية، وهذه حالة نسميها في حياتنا العامة “تخاطر أفكار”، فقد يلتقي عقلك مع عقل مدربين معينين لفترة، قبل أن يغيروا هم طريقة تفكيرهم لاحقاً، فتصبح مسيطراً على الكثير من العناصر المذكورة سابقاً ما عدا ما يجري خارج سيطرة الجميع من أخطاء تحكيمية أو لاعب كارثي.
في كلتا الحالتين، لا يبدو الأمر قابلاً للاستمرار، التوقع الشعوري جميل لكنه سينقطع، والتوقع عند تخاطر الأفكار من خلال كثرة المشاهدة سيتغير لأن المدربين يتغيرون بتفكيرهم وفلسفتهم.
مكاتب المراهنات كانت ستقفل و التوقع الأكثر واقعية
لو كان هناك معادلة، أو فكرة يمكن تطبيقها لجعل كرة القدم قابلة للتوقع، لأقفلت مكاتب المراهنات أبوابها، واتجهت للعمل في الجمعيات الخيرية.
فقوة الرياضات الشعبية نابعة من عدم تأكيد أي توقع على مستوى المباراة، وكلما ازدادت تنافسية البطولة، بات التوقع أصعب، وقد يسهل مثلاً توقع فوز تشلسي على هال سيتي عندما يلعبان في ستامفورد بريدج، لكن لن يكون هناك أي منطق في توقع النتيجة 5-1 مثلاً، فتوقع النتيجة مسألة يدخل فيها ملايين العناصر.
وكلما اقترب المستوى بين الفريقين المتنافسين، باتت العناصر الكثيرة المؤثرة في النتيجة أكثر تأثيراً، فالأمر لا يعود جلياً من سيفوز، وهذه العناصر لا حصر لها، وسيزداد قوتها، ابتداء من الحالة الذهنية للاعبين مروراً بالأخطاء التحكيمية ووصولا لسرعة الهواء كما يقول ““يورجن كلوب”.
التوقع الذي قد يكون واقعياً هو توقع طويل الأمد، مثل أن تقول إن برشلونة هذا سيحقق لقب دوري الأبطال مرتين خلال 5 مواسم، لأن المؤشرات تقول ذلك، أو تقول لقب الدوري هذا الموسم ليوفنتوس، لكنك لن تستطيع السيطرة على توقع نتائج روما × يوفنتوس، وإن كنت تصيب أحياناً.
خلاصة ..فهم نسبي
في النهاية لا يمكن القول إن هناك تميزاً بمن يتوقع نتيجة مباراة بشكل صحيح، فهذه مسألة فيها حظ واضح، والعناصر التي تلعب دوراً فيها لا يمكن الإدعاء بأن الإنسان أحصاها جميعاً.
لكن ما يمكن وصفه بالفهم النسبي هو طريقة التفكير، فليس المهم الناتج بقدر ما يهم مقدماته المنطقية، فلو جاء لك شخص وقال “برشلونة سيتأهل ضد سان جيرمان لأننا برشلونة”، فهذا شخص عاطفي وسوف يقول بعد المباراة “كانت مهمة مستحيلة”، لكن لو جاء لك شخص وقال “برشلونة سيتأهل لأن أداءه تحسن كثيراً مؤخراً، وشخصية سان جيرمان ضعيفة خارج ملعبه، ولا يملك قائد حقيقي”، وإن لم تحصل المعجزة وخرج البرسا، فإنك تقبل أفكاره لأنه فعلاً كان يستخدم عقله لا قلبه.
ويجب التذكير أنه حتى الأخطبوط بول “المرحوم” كان يتوقع، كان يصيب كثيراً، لكنه هل كان يفهم كرة قدم؟ بالتأكيد لا!
سناب شات : m-awaad