محمد عودة – كووورة – ما أصعبها من أيام تلك التي يعيشها ليونيل ميسي بعد الخسارة أمام المانيا، فالجميع استغنى عنه، والمقربون منه طعنوه علانية، فمارادونا الذي هلل لليونيل طوال البطولة قال عن فوزه بجائزة أفضل لاعب في العالم غير مستحقة ولعبة تسويقية، أما الأسطورة ماريو كمبيس فقال إن ميسي لم يرتق لمستوى الفوز بالبطولة.
صحيفة سبورت التي اعتادت دعم نجم برشلونة في الماضي انقلبت هي الأخرى عليه، فخرجت قائلة ” ميسي نال جائزة يعلم أنه لا يستحقها، بل إنها تعد بمثابة العقاب والإذلال له بعد أدائه الضعيف في البطولة والمباراة النهائية”.
وإن كان ليونيل فعالاً في الدور الأول، فإن تحركاته ولمساته المعهودة لم تظهر حتى في لحظات تألقه المونديالية، ولم يصل ميسي الأرجنتين رغم لعبه المباراة النهائية إلى مستوى ميسي صاحب الأربع كرات ذهبية، ومما زاد من أزمة ميسي الحالية أنه قدم موسماً للنسيان مع برشلونة بلا ألقاب، وكان قليل التحرك ضعيف العزيمة وباهت الإبداع.
الجانب البدني لا يبدو هو المشكلة، لأن ليونيل قدم لحظات وانطلق بكرات بلياقة ومرونة تؤكد بأنه جاهز بنسبة كبيرة، لكن عدم الإقدام على تكرار الأمر وضعف الروح في بعض اللحظات هو ما دفع عشاق ليونيل ميسي للتساؤل “ما السبيل لعودة ليو إلى بريقه المعتاد؟”، وهو ما لم يجعل شخصاً واحداً من نجوم العالم يخرج ليدافع عن جائزته بل قال بلاتر “أنا اندهشت”.
فيما يلي ثلاثة أشياء تبدو أكثر إلحاحاً قد تساهم بإعادة ميسي إلى بريقه وعطائه المذهل:
التعلم:
منذ طفولته وهو يطبق نفس الأسلوب والفلسفة، تعلم الكرة الشاملة ومبادىء الاستحواذ في لاماسيا، استمر بنفس الأسلوب حتى يومنا هذا، لعب ضد كل الفرق، هزمهم جميعاً في عديد المناسبات وإن خسر بعضها، ومر من خلالهم إلى الألقاب الكثيرة وأربع كرات ذهبية .. فماذا بعد؟
لماذا يذهب إلى التدريب وهو يعرف كل شيء، ولا يوجد جديد سيتفاجأ به، النظر إلى وجه ليونيل ميسي في تدريبات برشلونة خلال أخر موسمين ومقارنته بحالته مع تدريبات الأرجنتين تبين أهمية وجود شيء جديد يتعلمه، فكان يبتسم حيوياً مع التانجو، يتثاءب يتحرك ببطء في تدريبات البرسا كما أظهرت مقاطع فيديو.
أمام ليونيل ميسي خياران هنا؛ الخروج ويبدو مستبعداً هذا الصيف بعد تجديد عقده إلا لو كان لخسارة نهائي كأس العالم رأي أخر، أما الثاني فهو التعامل مع مدرب ثوري بأفكار جديدة، فلو كان إنريكي مدرباً قادماً بنفس الأفكار والأساليب الخاصة بجوارديولا فإن منحنى تعلم النجم الأرجنتيني سيبقى متوقفاً بلا تزايد، وقد نرى ميسي فاقد الحماس من جديد كما ظهر الموسم الماضي.
توقف تعلم اللاعب يعد أمراً خطيراً على حماسه وعطائه واهتمامه بالنتيجة، ويمكن تشبيهه بموظفي الشركات، فما إن يتقن الموظف وظيفته ولا يصبح هناك جديد فيها من خلال ثباته في نفس المنصب والمكان، تصبح مفاهيم مثل الجودة والأداء والكفاءة للورق فقط ولا يهتم بها فيتراجع مستواه.
التحدي:
ليس هناك أي شيء يحققه ميسي مع برشلونة لم يحققه من قبل، حقق كل الألقاب ومنها سداسية الموسم الشهيرة، الأرقام القياسية كلها مسجلة باسمه ولا جدوى من محاولة تحطيم نفسه، كل الفرق الإسبانية هز شباكها وسجل في مرماها، سجل هاتريك وسوبر هاتريك وخمسة أهداف، ما الذي سيجعله سعيداً عندما يلعب بشكل ممتاز؟
هذه الحالة من غياب الحافز، تؤثر على شخصية أي نجم فليس من الممكن أن يستعيد ميسي شهيته وحيويته فجأة عندما يلعب مع الأرجنتين، فالبقاء موسماً كاملاً من دون تحدٍ يؤثر بشكل طويل الأمد على الجاهزية الذهنية للاعب، فأي حالة سلبية يعتادها الشخص يقال إنها تحتاج لفترة أشهر كي يتخلص الإنسان من آثارها، وميسي إن كان من كوكب أخر كلاعب، فهو إنسان في النهاية.
حالة غياب التحدي مستمرة حتى في الموسم المقبل، ومن هنا على لويس إنريكي أن يكون جاهزاً لمعركة ذهنية كبيرة، فبعض الأحيان يحتاج القادة لخلق تحدٍ وهمي أمام لاعبيهم إن غاب التحدي الحقيقي، ولا يمكننا أيضاً استبعاد فكرة أن شراء سواريز هو خلق لهذا التحدي، فميسي بات يتحدى اثنين في فريقه للزعامة كي يبقى الديك في برشلونة، كما قال من قبل عنه ساندرو روسيل “في برشلونة ديك واحد هو ليونيل ميسي”.
الانعزال:
تعرض ليونيل ميسي لظروف صعبة جداً في الموسم الماضي، فضائح التهرب الضريبي وخلافات تجديد عقده وأقاويل عن ديكتاتوريته داخل النادي وتدخلاته في سوق الانتقالات.. كلها أمور جعلت ليونيل يعيش ضغوطاً هائلة أرهقته ذهنياً ونفسياً.
ميسي يحتاج لشيء من العزلة، عزلة تبعده عن أخبار الرياضة تماماً خلال هذه الفترة، تبعده عن التواصل مع البشر باستثناء ابنه تياجو وأمه، وعليه أن ينسى عالم الأعمال، ويبتعد عن والده بالذات الذي تسبب بمعظم مشاكله، فترة لا كرة قدم فيها، ولا حديث عنها، لا برشلونة ولا الأرجنتين .. عليه أن يعيش حياة إنسان متقاعد عن العمل، وهي ما قصدته صحيفة سبورت على الأغلب بقولها “ميسي يحتاج لإعادة شحن”.
مثل هذه العزلة ستصفي ذهن ميسي، ستجعله متصالحاً مع نفسه ومع الظروف، ستجعله مدركاً لقدرته على العودة.
وعند الحديث عن تياجو، فإن مسألة قد تلعب دوراً بما حدث مع النجم الذي فقد حماسه، ليونيل صرح في الماضي قائلاً “كرة القدم لم تعد أهم شيء لدي، هي الآن رقم 2 بعد ابني تياجو”، وقد يكون ميسي فعلاً متأثراً بهذا لكنه بالتأكيد ليس السبب الرئيسي، ولو كان لتياجو تأثير فإن مرحلة عدم التوازن هذه ستنتهي قريباً على الأغلب لوحدها.
إن توقف منحنى التعلم وغياب التحدي يعدان عناصر راجحة في قضية ميسي، فاللاعب كان ينخفض مستواه تدريجياً وليس بشكل مفاجىء، أي لم يتعرض اللاعب لإصابة وعاد بمستوى سيء، بل كان الهبوط تدريجياً ظهر بوضوح في النصف الثاني من الموسم الماضي وتأكد في كأس العالم، وهو ما يؤكد بأن المسألة تتعلق بالأجواء والظروف.إن توقف منحنى التعلم وغياب التحدي يعدان عناصر راجحة في قضية ميسي، فاللاعب كان ينخفض مستواه تدريجياً وليس بشكل مفاجىء، أي لم يتعرض اللاعب لإصابة وعاد بمستوى سيء، بل كان الهبوط تدريجياً ظهر بوضوح في النصف الثاني من الموسم الماضي وتأكد في كأس العالم، وهو ما يؤكد بأن المسألة تتعلق بالأجواء والظروف.