كيف انهار الدوري الهولندي وأنديته؟

تراجع الأندية الهولندية لافت ومحزن

محمد عواد – سبورت 360 – اختفوا فجأة، هذا ما يمكن وصف أياكس وأيندهوفن وفينورد به، فرق صالت وجالت في أوروبا، حملت الألقاب في القارة، وقدمت مدارس كرة قدم ومواهب يتغنى بها العالم حتى اليوم.

فجأة تراجعوا، باتوا يشاركون ليخرجوا مبكراً، فأصبح ترتيب بطولتهم الرسمي 13 في أوروبا، بعد بطولات أقل عراقة منها مثل الدوري التشيكي والسويسري التركي.

تراجع الأندية والدوري، أثر ذلك بشكل مباشر على المنتخب، فبات مرة في النهائي ومرة يغيب عن بطولة اليورو، ومرة يلعب بشكل مذهل، ومرة يخيب ظن الجميع، فلم تعد الطواحين رمزاً للكرة الجميلة، واضطر فان جال للاستغناء عن فلسفة الكرة الشاملة في مونديال 2014 ليحقق نتائج طيبة مع شبه الفريق الذي امتلكه، وبناه بذكاء حول لاعب واحد هو آرين روبن، وفكر دفاعي غريب عن اللون البرتقالي.

التغيير الذي لم تفهمه الأندية الهولندية

مع عام 2004، أخذت كرة القدم شكلاً أكثر عدوانية بتحولها من رياضة إلى صناعة.

في تلك الفترة، لم تكن الأندية الهولندية سيئة إطلاقاً، فقد وصل أيندهوفن على سبيل المثال نصف نهائي دوري الأبطال 2004-2005، وكان فينورد قد كسب بطولة 2001-2002 في الدوري الأوروبي، لكن منذ ذلك الزمان لم يتحقق شيء.

في تلك الفترة، بدأت الأندية الإسبانية تلحق بفكرة الإنجليزية التي سبقتها بالتحول من تركيز رياضي مطلق بإضافة تركيز تجاري موازٍ، وهو ما فعلته الأندية الألمانية مدعومة باستضافة كأس العالم، وبطولات روسيا وأوكرانيا وتركيا مدعومة برجال الأعمال، في حين كان بعض الأندية الإيطالية يتحرك وبعضها الأخر يتردد الأمر الذي انعكس على مستوى بطولتهم لاحقاً.

بدأ الحرص على العمل الترويجي، والعلاقات التجارية على مستوى البطولة والأندية، بات تنشيط العلاقات مهماً، في حين تمسك الهولنديون بفكرة كرة القدم المطلقة، الأمر الذي جعلهم كمن يعيش 10 سنوات للوراء.

المواهب موجودة ولكن هناك أشياء ناقصة

منذ صيف 2004، قدمت البطولات الهولندية مواهب مميزة لأوروبا، نحن مثلاً أمام لويس سواريز وزلاتان إبراهيموفتش وإريكسن وفينالدوم وفان بيرسي وهونتيلار وشنايدر وديرك كاوت وآرين روبن وستروتمان وتاديتش.

مر على الدوري لاعبين مميزين، لكنهم لم يستمروا بسبب ضعف الميزانيات، ويكفي أن نعرف بأن عراقة أياكس وتاريخه الاوروبي الكبير لم تشفع له بأن يكون ضمن أعلى 30 نادي أوروبي دخلاً حالياً، في حين يظهر غلطة سراي في القائمة على سبيل المثال.

أمر أخر يكشف مشكلة الترويج والتسويق في الدوري الهولندي، ويبرر رحيل معظم لاعبيه بأسعار قليلة، فتقدير موقع ترانفسير ماركت للقيمة السوقية لكل لاعبي الدوري الهولندي أقل من تقديره للقيمة السوقية للاعبي ريال مدريد فقط، فهو حسب اخر تحديث له يرى أن قيمة لاعبي الدوري الهولندي جميعاً 607 مليون يورو في حين يرى ريال مدريد يملك لاعبين بقيمة سوقية 775 مليون يورو.

التسويق الصحيح للبطولة، والترويج للأندية واللاعبين يأتي معه ارتفاع مباشر لأسعار اللاعبين، فما الذي جعل أندي كارول ينتقل إلى ليفربول مقابل 41 مليون يورو ، في حين رحل سواريز في نفس التوقيت لنفس النادي مقابل 26 مليون يورو!

الترويج الضعيف، ينعكس على معدل الدخل من إصدار المواهب، وبالتالي يحول أياكس وأيندهوفن لمجرد زارعي زهور، في حين أن من يحول الأمر إلى عطور فائقة السعر هي الأندية الأخرى، مما يعني ازدياد الفجوة من يوم إلى أخر.

هناك مواهب مع الفرق الهولندية تشاهدها في مباريات الدوري الأوروبي، لكنها تختفي، لأن البطولة ضعيفة ولا تعطي اللاعبين منحى تطور صحيح إلا لو انتقل للخارج، وهناك أجواء من الإحباط تمنع اللاعبين بإعطاء أفضل ما لديهم.

عدد السكان وأمور أخرى تزيد المشاكل

لا يمكن بناء الدوري الهولندي حالياً على طريقة محلية، فهذا يعني انتحاراً اقتصادياً.

هولندا كدولة أوروبية فيها 17 مليون نسمة، في حين أن المنافسين الألمان مثلاً لديهم 82 مليون نسمة، وتركيا 78 مليون، والمملكة المتحدة 68 مليون، وفرنسا 66 وايطاليا 60 واسبانيا 47 مليون.

كما أن مسألة ناتجهم القومي (السابع أوروبياً) يجعل بناء مشروع محلي غير واقعي، فبايرن ميونخ مدعوم باقتصاد محلي قوي وعدد سكان دولة كبير.

أما لغتهم التي لا يعرفها العالم (هذه ميزة للبرتغال مع البرازيليين والإسبان مع أمريكا الجنوبية والأفارقة مع الفرنسيين)، يجعل اللاعبين من الخارج يترددون بالقدوم إليهم، لأنهم لم يعودوا مرحلة ترويج قوية مثلما كان الحال في الماضي.

ما سبق يساهم بشكل واضح بإبعاد المستثمرين بالأندية، فلا اللغة، ولا عدد السكان، ولا الوضع الترويجي للبطولة يسمح بمغامرة مالية حقيقية إلا من أشخاص يحبون المخاطرة غير المحسوبة.

الملخص .. الإدارة قتلت الكرة!

بيع مستعجل للمواهب، وبأسعار أقل من قيمتها المتوقعة، وعدم تجديد في الفكر الداخلي عبر مدربين من مختلف الثقافات، وعدم إدراك لأهمية تحويل المشاريع صاحبة التاريخ مثل أياكس وأيندهوفن لمشاريع عالمية لا محلية.

هناك سوء فهم لقواعد اللعبة الجديدة، أدى إلى هجرة سريعة للمواهب أو عدم رغبة بالقدوم، فالظاهرة رونالدو وروماريو جاؤوا في البداية لهولندا، وهذه كانت عادة شهيرة في الماضي، لكن الآن يتجنب الجميع ذلك.

يقول البعض أن الوقت بات متأخراً لتغيير مفاجىء نحو الأمام، لكن هناك من ينادي في هولندا بأن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل أبداً، وأن المشروع إن لم يبدأ تغييره اليوم سيصبح من الاستحالة تغييره لسنوات طويلة.

تابع الكاتب على شبكات التواصل الإجتماعي:

 



سناب شات : m-awaad

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *