محمد عواد – سبورت 360 – لم يعرف اتلتيكو مدريد فترة من الثبات في واجهة الأندية الأوروبية الكبرى تاريخياً، مثل التي عرفها منذ وصول دييجو سيميوني إلى قيادته، فالتحول كان واضحاً وتدريجياً من فريق يلعب جيداً إلى فريق يحقق النتائج، وكان بينه وبين لقب دوري الأبطال 30 دقيقة مرتين، وأمام نفس الفريق ريال مدريد.
الوضع الحالي لا يبدو مريحاً، فالنتائج تتراجع، والفريق وصل هبوطاً إلى المركز السادس، وهو يقاتل الآن من أجل ضمان المركز الرابع، والحديث عن الفوز بلقب الدوري هذا الموسم بات من الأحلام غير الواقعية.
الكلام ازداد مؤخراً عن رحيل دييجو سيميوني رغم امتداد عقده لفترة طويلة، وهناك أسماء أندية كبيرة مثل الإنتر وآرسنال ومانشستر يونايتد ترتبط به بشكل مستمر، والمدرب يبدو أقل حماساً من ذي قبل، فصدمة نهائي 2016 وثلاثية الديربي تبدو واضحة على وجهه وكلماته.
فهل يعود أتلتيكو مدريد إلى فوضى النتائج والأداء؟ ، حيث أن الفريق امتلك في أخر 10 أعوام دوماً لاعبين جيدين، لكنه لم يكن يحقق نتائج جيدة مستقرة، حتى جاء سيميوني فخلق الاستقرار والاستمرارية، مما يجعل القلق مبررا بعد رحيله.
تغير مالي ملحوظ
عندما وصل دييجو سيميوني إلى أتلتيكو مدريد عام 2011، كان النادي المدريدي في الترتيب 25 ضمن الأندية الأوروبية الأكثر دخلاً، وكان دخله لا يتعدى 107 مليون يورو، وذلك رقم ضعيف كان أقل من فالنسيا وهامبورج ونيوكاسل على سبيل المثال.
في 5 أعوام اختلف الحال، الفريق قفز إلى المركز 14 مع وصوله إلى 200 مليون يورو، ومع انتظار إعلان التقرير الرسمي للموسم الماضي، فمن المتوقع أنه سيصبح أعلى من أندية عريقة مثل ميلان والإنتر من حيث الدخل، وهذا من دون احتساب قيمة بيع اللاعبين، ولا يتفوق عليه إلا أندية انجلترا الستة، وبايرن ودورتموند وشالكه وسان جيرمان واليوفي وريال مدريد وبرشلونة.
الملعب الجديد بات جاهزاً أيضاً، وفي ذلك نقلة نوعية من المتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على الدخل وبنسبة واضحة قريباً، مع احتلاله المركز 13 على الأغلب في نهاية الموسم الحالي.
مؤشر اقتصادي مهم آخر يتعلق بقيمة الفريق، في موسم 2010-2011 كانت القيمة السوقية للاعبين تقارب 200 مليون يورو في المركز الرابع في اسبانيا، وأقل من 7 أندية إنجليزية كمثال نسبي.
الآن قيمة الفريق تقدر بـ 510 مليون يورو، في المركز الثالث وبفارق شاسع عن اشبيلية الذي كان ثالثاً قبل 5 سنوات، كما أنه لو تواجد في انجلترا، لكان ترتيبه الرابع بعد ناديي مانشستر وتشلسي فقط، وفي ايطاليا سيكون الأعلى قيمة، والثاني في المانيا بعد بايرن ميونخ.
نقلة نوعية واضحة في الحسابات المالية، تعطي الفريق وقتاً أطول لإعادة بناء نفسه لو رحل المدرب.
اكتساب خبرة جديدة
أذكر أتلتيكو مدريد جيداً وهو يحاول العودة قبل عصر أجويرو وفورلان، كان الفريق يجرب بلاعبين من هنا وهناك، بعضهم ينجح، والأخر يفشل، كان التخطيط سيئاً، وفيه نوع من الفوضوية.
أتلتيكو مدريد الحالي ليس مشروع مدرب فقط، بل هو مشروع إداري مختلف، مشروع استطاع جلب استثمارات من الصين، واستطاع حماية الفريق من كل الراغبين بتفكيكه قبل أن يبدأ، ويظهر أيضاً عملاً كشفياً ممتازاً في البحث عن المواهب في العالم.
أتلتيكو 2011 مختلف تماماً عن أتلتيكو 2016، حتى من خلال التصريحات، ومن خلال العملية الترويجية والتسويقية للنادي، هناك نضج فرضه عليهم النجاح الرياضي.
المشروع الحقيقي .. آرسنال فنجر !
يجب ألا تأخذ الحماسة الكثيرين من المشجعين، ويصدقون ما يقوله سيميوني أو غيره من مسؤولي أتلتيكو مدريد، بأن المشروع هو الوقوف في وجه ريال مدريد وبرشلونة، وحصد الألقاب.
هذا هدف “ترويجي” وليس واقعي، وإلا لكان يجب إقالة سيميوني لأنه لم يحمل أي لقب في أخر عامين على سبيل المثال، لكن المشروع الحقيقي هو شيء يشبه آرسنال الحالي.
المطلوب البقاء دوماً ضمن الأربعة الكبار، ثم الذهاب لدوري الأبطال والوصول إلى الدور الثاني على أقل تقدير، ولو وصل إلى دور الثمانية سيكون هذا مثالياً للحسابات المالية.
خلال هذا الهدف، فلا بأس بتحقيق الألقاب هنا أو هناك، لكن الهدف الرئيسي البقاء في الواجهة، وهو ما يعزز دوماً قدرة الفريق على جذب اللاعبين والحفاظ عليهم، كما يعزز علاقاته التجارية، التي قد تمكنه على المدى البعيد من التحول لمنافس لعملاقين لم يسيطرا مؤخراً على اسبانيا فحسب، بل على القارة كاملة.
هذا المشروع الحقيقي، يجعلني مطمئناً أكثر لمستقبل أتلتيكو مدريد، لأنه أكثر واقعية، ولا يرتبط بمدرب مثل سيميوني أو غيره، بل هو يرتبط بكيان كامل ومدرب جيد.
نوعية اختيار المدربين ستختلف وكذلك اللاعبين
نعود إلى الذكريات مرة أخرى، كان الفريق يجرب مدربين من هنا وهناك، بعضهم ينجح لشهرين ثم يفشل، بعضهم ينجح لموسم ثم ينهار، لم يكن أي منهم يملك القدرة على إدارة مشروع طويل الأمد، ولم يكن أصحاب هذه الخبرة مستعدين ليدربوا أتلتيكو مدريد.
الآن الوضع تغير تماماً، رحيل سيميوني لن يتم تعويضه بمدرب تحت الاختبار، بل نسمع حالياً الارتباط بأسماء كبيرة مثل فالفيردي “بلباو” وبوتشيتينو “توتنهام”، وهذا ما سيحدث على الأغلب، اسم لديه خبرة واسعة في الكرة الإسبانية والأوروبية، واسم لديه القدرة على إدارة مشروع والمنافسة من أجل الألقاب.
الأمر نفسه ينطبق على اللاعبين، فقد ولى عصر اللاعب الذي يكلف 3 مليون يورو في أتلتيكو مدريد، فالفريق بات يدرك جيداً معنى المقولة العربية “الغالي سعره فيه”، فأجويرو وفورلان وفالكاو كلهم مراحل مهمة ببناء الفريق، وكان سعرهم عالياً.
ليس موضة !
قد يكون تحسن أتلتيكو مدريد مع سيميوني في البدايات صدفة، أو استغلالاً لهبوط مفاجىء في مستوى بعض الفرق الأخرى، لكن الامر لم يعد كذلك.
الفريق مع موسم 2012-2013 بات يأخذ شكل المشروع الواضح، المشروع الذي يقوده فنياً سيميوني ويعتبر أيقونته الإعلامية، لكن ما خلف الكواليس هناك تحول مؤسسي كامل وشامل.
يحتاج الفريق لتحسن طفيف في الصفقات فما زال لديه نسبة خطأ واضحة في السنوات الأخيرة مع زيادة سيولته، وقد يمر أتلتيكو مدريد بفقدان توازن لموسم واحد أو اثنين عند رحيل سيميوني، لكنه سيتماسك من جديد، لأنه يملك القدرة على العودة، فمالياً وإدارياً وإعلامياً باتت لديه القدرة عل ىذلك على العكس من أي وقت مضى.
سناب شات : m-awaad