محمد بلقاسم – كان الدكتاتور الإيطالي موسوليني محرجاً للغاية من مظهر برج بيزا المائل وكان يعتبره عاراً على الهندسة الإيطالية، فأمر بمحاولة إعادته إلى الوضع الأفقي، ولحسن الحظ أن المحاولة فشلت لأن جمال البرج في ميلانه، وعندما وصل المنتخب الإيطالي بقيادة المدرب الشهير فيتوريو بوزو إلى نهائي كأس العالم 1938 أمام المجر، كان موسوليني مُحرجاً أيضا من فكرة الخسارة، فبعث برسالة إلى لاعبي “الأزوري” وفيها: “النصر أو الموت”، ولحسن الحظ أيضا أن إيطاليا انتصرت لأن جمال كرة القدم لا يكتمل إلا بتاريخ مُزين بنجوم ذهبية إيطالية.
لم يكن أي إيطالي ينتظر تحطيم رقم منتخب بلاده الأسطوري في ثلاثينيات القرن الماضي برصيد 30 مباراة دون هزيمة، حصيلة حققها المدرب “بوزو” بمباريات أغلبها ودية، ولكنها تضمنت أيضا تتويجين كبيرين في أولمبياد 1936 وكأس العالم 1938، تلك الحصيلة التاريخية ورغم الذهب الأولمبي واللقب المونديالي إلا أنها عرفت حادثة يُمكن اعتبارها نقطة سوداء في حصيلة بوزو عكس ما هو الحال بالنسبة للمنتخب الحالي، ففي المباراة رقم 12 سنة 1937، كانت النمسا متفوقة على إيطاليا بهدفين نظيفين في مباراة لعبت وسط توترات سياسية كبيرة بين روما وفيينا، وبعد الهدف الثاني الذي سجله جوزيف ستروه في الدقيقة الـ 63 عن طريق ركلة جزاء، أصبح الملعب حلبة نزال وتوقفت المواجهة لحسن حظ الإيطاليين، وإلا لتوقفت سلسلتهم الإيجابية التاريخية عند المباراة الـ 11 فقط.
بالعودة إلى منافسة اليورو، لم تكن إيطاليا أول منتخب يفوز بكل مبارياته الثلاثة في دور المجموعات، ولكنه المنتخب الوحيد الذي فاز بكل هذه المواجهات دون استقبال أي هدف، مؤشر يؤكد دون شك أن “الأزوري” هو أقوى منتخب في اليورو حتى الآن، ولأنه كذلك لن يسمح بكسر سلسلته الإيجابية بسهولة وسيعمل لتكرار ما فعلته فرنسا سنة 1984 وإسبانيا سنة 2008 عندما أنهيا الدور الأول بالعلامة الكاملة وأكملا المنافسة برفع الكأس الغالية، ورغم ذلك فإن تاريخ كأس الأمم الأوروبية يحمل في طياته الكثير، والبدايات الرائعة لا تعني دوماً نهايات أروع، ففي نسخة 2000 فازت كل من البرتغال، إيطاليا وهولندا بكل المباريات في الدور الأول، وكلها وصلت إلى نصف النهائي، لكن صياح “الديك الفرنسي” كان مسموعا أكثر، واللقب عاد في النهاية لزيدان ورفاقه بهدف ذهبي حطم به تريزيغي، تولدو وكل عاشق لـ “الأزوري”.
ما حدث مع هولندا، إيطاليا والبرتغال في “يورو 2000″، تكرر مع التشيك في يورو 2004 ومع كرواتيا وهولندا في يورو 2008 ومع ألمانيا في يورو 2012، أمثلة يعرفها روبيرتو مانشيني حتماً، ويعرف أن إيطاليا ستبدأ منافستها الحقيقية الآن وهو الذي قال بعد لقاء ويلز: “يُمكن لأي فريق يصل إلى ثمن النهائي أن يُتوج باليورو”، هذه الواقعية هي سلاح “الأزوري” اليوم، وهي التي ستساعدهم لتجاوز عقبات صعبة جدا في الإنتظار، فإن تأهلوا إلى ربع النهائي، من الممكن أن يجدوا أنفسهم في مواجهة بلجيكا أو ثالث مجموعة الموت “F”، وإن أكملوا المسار فقد يلتقون بـ فرنسا في نصف النهائي لو تأهل “الديكة” في صدارة مجموعتهم ويُكملون طريقهم بنجاح.
إحتمالات واردة وغيرها كثير ستجبر الطليان على العمل لأجل مواصلة سلسلة “الكلين شيت” بـ 11 مباراة دون استقبال أهداف قبل التفكير في الجانب الهجومي، ببساطة لأن الأمر يتعلق بوزراء الدفاع كروياً، وأيضا لأن “الهجوم يجلب لك الانتصارات والدفاع يمنحك البطولات”.
الآن، لم تعد كل الطرق تؤدي إلى روما، فمنتخب إيطاليا سيتنفس هواءً لندنياً في الدور المقبل، وإن تأهل فإن ميونيخ ستفتح أبوابها لمانشيني قبل العودة إلى “ويمبيلي” التاريخي، رحلات يتمنى رفقاء المبدع فيراتي القيام بها لأن الإنتصارات التاريخية تكون بطعم مختلف بعيدا عن الديار، ومثلما انتصر يوليوس قيصر في “زيلا” وافتخر قائلا: “Veni, vidi, vici”، فإن مانشيني يُريد أول لقب أوروبي بعيدا عن الديار ليفتخر بدوره قائلا: “أتيت، انتصرت وتُوجت”.