مصطفى محمد – تحدث مايكل ودوارد دكتور الطب النفسي في إحدى مقالاته عن ميل الكثير من الناس نحو إصدار الأحكام السريعة والسطحية لتحديد الكفاءة والأهمية والفاعلية، وأشار إلى أن تلك الأحكام تكون في الأغلب غير دقيقة بالمرة ولا تستند للمنطق ولكننا نصر على استخدامها كرد فعل طبيعي ومحاولة لتمييز كل ما هو غريب وتصنيفه بمعاييرنا وهذا ما يعبر عن مسيرة كريم بنزيما.
بنزيما هو اللاعب الذى عانى دائما من نبرات التشكيك لمواقف مختلفة بتجاهل لحظاته الجيدة ثم الإستناد إلى لحظاته السيئة لتجميعها واستخدامها في تقديم حكم عام على مسيرته وفي الواقع قد لا يكون بنزيما قدم استمرارية رائعة بالأخص في بداية مسيرته مع الريال لكن لا أحد يتحدث على أن بنزيما في ذلك الوقت كان مجرد لاعبا لديه 21 عاما قادماً من مجتمع محلي نحو بيئة مختلفة تماما وسط الكثير من النجوم في مكان يعج بالضغوطات من كل جانب ورغم ذلك فقد ساهم كريم في 82 هدف في الليغا في أول أربعة مواسم رغم أنه لم يكن يشارك باستمرار وعندما استقرت أحواله أكثر مع مورينيو في موسم 2011/2012 تمكن وقتها من المساهمة في 31 هدف في الليغا فقط.
بنزيما منذ موسم 2014/2015 بمقاييس الداتا لم يسجل أقل من عدد الأهداف المتوقعة، أو ال (XG) سوى في موسمين فقط منهم موسم 2017/2018 – أسوأ مواسم بنزيما والريال- في مقابل ذلك سجل في 5 مواسم كاملة أكثر من معدل الفرص المتاحة والمتوقعة بينما في موسم واحد سجل نفس العدد من الفرص المتوقعة أي أن بنزيما بالنظر لتلك الأرقام في أخر سبعة مواسم لم يمتلك سوى موسمين فقط يستحق وصفهم بالأوقات الكارثية في مقابل 5 أو 6 مواسم أخرى بين الجيد والرائع وذلك يتنافى تماما مع أسطورة أن بنزيما كان مهاجماً كارثيا في فترة رونالدو..
ومازال هنالك جانباً آخر للحكاية فمنذ وصول بنزيما لريال مدريد كان الفريق يعج بالنجوم ولم يكن ذلك يؤتي ثماره في البداية على مستوى الطموحات والألقاب مما دفع الريال للبحث عن التوازن فنيا ولم يتحقق ذلك التوازن حتى أصبح كريم بنزيما هو القطعة الأساسية لهجوم الفريق ليقدم تلك التضحية التكتيكية في الملعب، ويجعل الطريق ممهدا لرونالدو وباقي أسلحة الهجوم لتسجيل ذلك الكم من الأهداف وبذلك يتحقق التوازن بين من يحاول خلق المساحة ومن يحاول استغلالها ومنذ ذلك الوقت تحققت الطموحات والألقاب.
آخر رهان للقضاء على بنزيما كان في اللحظة التي قرر فيها رونالدو الرحيل عن مدريد حيث راهن الجميع على حتمية سقوط بنزيما باعتبار أن الطرف الذي كان يغطي عليه بأرقامه قد رحل لكن المفاجأة كانت في ردة فعل بنزيما الذي أعاد استرداد شغفه ليظهر نسخة شمولية ساهمت في 133 هدف خلال 154 مباراة منذ رحيل رونالدو وبذلك أكد قدرته على لعب دور الرجل الأول حتى في أحلك وأسوأ أوقات الريال كان قادرا على انتشال الفريق ورفعه لمستوى تنافسية لم يكن يستحقه نظريا وفنياً في آخر فترة.
الحقيقة باختصار أن بنزيما كان لاعبا رائعا طوال مسيرته وذلك ما لا تستطيع الأرقام قياسه كلاعب فذ، عبقري، يفهم كرة القدم كمهاجم قادر على تأدية كافة الأدوار في مختلف أساليب اللعب وذلك ما جعله يستمر طوال 11 عاما كاملة باختلاف المدربين ولكن حتى بالمقاييس الطبيعية كان تقييمه ظالماً استغل فيه الجمهور موسمين أو ثلاثة من سوء الأداء لبناء حكم مطلق أن ذلك كان يحدث من بنزيما طوال مسيرته وذلك كان مجحفا في حق مهاجم يصنف كرابع هدافي الأبطال والريال وعاشر هدافي الليغا بينما كان الجمهور يتغنى بأرقام غيره دون النظر لمن كان له الفضل في تحقيق نصف تلك الأرقام على الأقل.
بنزيما كان دوما لاعبا رائعا يحب مشاهدته من يحب كرة القدم كما قال عنه زيدان، ولكنه أثبت في اخر أربعة مواسم أنه يستحق أن يتم اعتباره ك Main man و أسطورة تاريخية للريال وكرة القدم بجدارة.