كيف ولماذا خلق ريال مدريد التوازن بين كوكبة النجوم والأكاديمية؟

ريال مدريد وفكرة التوازن الجديد



محمد عواد – سبورت 360 – 9 لاعبين إسبان يمثلون ريال مدريد حالياً، بعد أن كان عددهم في عام 2009، منهم 6 من أبناء النادي، وبعضهم يعد أساسياً ضمن خطط النجاح للفريق أمثال داني كارفخال و موراتا و فاسكيز، مع انتظار عودة محتملة لكل من مايوريال و ميردان، وفي ظل رحيل أسماء مدريدية خالصة أمثال أربيلوا وخيسي رودريجيز، لو استمرت لاستطاع الفريق وضع تشكيل شبه كامل من أبنائه.

هناك شيء تغير في ريال مدريد مؤخراً، فبعد أن كان النادي يعتمد على الشراء بغض النظر عن الجنسية، بات هناك توجه واضح لمنح أبناء النادي فرصة، وبات واضحاً أيضاً أن هناك رغبة بإبقاء النادي إسباني اللمسة.

تأثير برشلونة على التغيير

عانى فلورنتينو بيريز كثيراً من عناوين الصحف في عصر جوارديولا عن أسطورة أكاديمية لاماسيا، فقد كان ذلك نشاطاً ترويجياً مذهلاً لقيمة النادي الكتلوني، وهو لم يكن يستطيع التحرك، لأن الوحيد من أبناء الأكاديمية في تلك الفترة كان يمكن التباهي والتفاخر به هو إيكر كاسياس.

برشلونة أظهر لفلورنتينو بيريز شيئاً هو يحبه، ألا وهو دمج الرياضة بفن الترويج والتسويق، كما أنه أوضح له تهديداً خطيراً بأن الرهان دوماً على الشراء يضيع على النادي مئات الملايين ويؤثر ترويجياً أيضاً.

فكم كان برشلونة سيدفع ليحصل على أمثال تشافي وانيستا وبالتأكيد “غير القابل للبيع بأي سعر” ليونيل ميسي.. قيمة لاعبي فريق بيب جوارديولا السوقية من أبناء الأكاديمية حسب موقع ترانسفير ماركت عام 2011 تقارب 320 مليون يورو، ومن المعلوم أن قيمة البيع عادة تكون أعلى للنجوم من قيمتهم السوقية بما يقارب 50%، أي أن برشلونة كان يملك ما يقارب 470 مليون يورو من الجواهر دون أن يدفع لشرائها.

لاحظ بيريز أن هناك مبلغ مالي وترويجي هائل يتم إهداره في الأكاديمة، وبالتالي كان لا بد من عملية تحول تتعلق بأكاديمية وأبناء النادي.

الإنتاج كان موجوداً .. لكن الإدارة مفقودة

بالنسبة للكم، كانت أكاديمية ريال مدريد تخرج لاعبين بعدد مقبول للعب في الأندية الأوروبية مقارنة بلاماسيا.

تقديرياً، كان الفارق بينهم فقط 20% من حيث العدد المنتشر في أوروبا، أي أن الكمية موجودة، والمسألة كانت تحتاج لإدارة.

المرحلة الانتقالية .. تمويل ثم تطوير 

عندما عاد فلورنتينو يبريز إلى ريال مدريد، وجد أن المواهب الموجودة في الأكاديمية ليست مؤهلة بغالبيتها لتمثيل الفريق الأول.

هنا قام بتسريع عملية بيع اللاعبين القابلين للعب في فرق درجة أولى وثانية في بطولات أوروبا، وهذا اقتصادياً عاد على ريال مدريد بمبالغ مالية جيدة، سمحت للفريق بالاستثمار إما بشراء لاعبين جدد من النجوم، أو بإعادة شراء من نجح من هؤلاء في ظل عقود إعادة الشراء.

الدخول على لاعبين ناشئين جيدين حول العالم مثل أوديجارد وغيره يشرح هذا المبدأ، بات النادي مستعداً للاستثمار وأخذ المخاطرة حتى في فريق ريال مدريد ب، وبات مستعداً لتحويل أموال من يتم بيعهم لحسابات رياضية لا اقتصادية فقط.

هذه المرحلة استمرت تقريباً حتى صيف 2013، أي 4 سنوات منذ وصول بيريز، ومن حينها بدأ العمل على وضع من أثبتوا جودتهم أمثال خيسي وموراتا في أرض الملعب، في حين كان خروج كارفخال لاستعادته لاحقاً بعد أن يكتسب الخبرة ضمن الخطوة الثالثة للمشروع.

التوازن مع كوكبة النجوم .. فكرة برشلونة 2004-2008

صحيح أن برشلونة قدم فريقاً مذهلاً عموده الفقري من لاماسيا، لكن هذا العمود الفقري تم بناؤه حول كوكبة من النجوم عمل عليها لابورتا بكل صبر وذكاء.

في صيف موسم 2004-2005 مثلاً، وهو موسم ترفيع ليونيل ميسي إلى الفريق الأول، اشترى برشلونة 9 لاعبين في السوق الصيفية، معظمهم أصحاب خبرة على رأسهم صامويل إيتو وهنريك لارسن وجولي وإدميلسون وبيليتي، كان مقابله رحيل شباب مثل لويس جارسيا وكواريزما.

تم استخدام جيل رونالدينيو وايتو بكل ذكاء لصعود الشباب أمثال انيستا وميسي واستدعاء بيكيه لاحقا وترفيع بوسكتش وبيدرو في عصر جوارديولا، فهناك كانت مرحلة انتقالية، تم من خلالها حماية الشباب من ضغوط الإعلام والنتائج، وتم تحميلها للنجوم الكبار الأكثر شهرة آنذاك، في حين كان العالم يعرف منذ 2004 أن ميسي ليس شاباً .. فهو معجزة، لكن رغم ذلك استفاد من وجود رونالدينيو وايتو في الواجهة خلال أزمات ما بعد دوري أبطال 2006.

ريال مدريد وضعه أصعب قليلاً، فهناك أمران يجب احترامهم؛ الأول يتعلق بضرورة أن يكون كل من يلعب بقميصهم نجماً ومنسجماً مع هذه الثقافة، والثانية أن يكون مستعداً لتحمل الضغوط والظروف الصعبة التي تتحول إلى قاسية جداً بشكل أكثر ضراوة من حال برشلونة.

من هنا جاء ريال مدريد بفكرة مختلفة لخلق هذا التوازن، البيع مع حق إعادة الشراء، وهنا ليست المسألة فقط لفحص قدرات اللاعب، فالجميع يعلم منذ البداية أن موراتا رائع وفاسكيز مميز تكتيكياً، ومن يوم شراء أسينسيو كانت قدراته مميزة.

اكتسب هؤلاء الخبرة من جهة، لكن تم صناعة اسم لهم إعلامياً من جهة أخرى ليصبحوا مشاريع نجوم، فموراتا بات نجماً مع اليوفي، وغطت الصحافة الإسبانية حاجة ريال مدريد لظهير أيمن قبل 6 أشهر من استعادة كارفخال الذي تم اختياره ضمن أفضل لاعبي الدوري الألماني، في حين أن أرقام أسينسيو وفاسكيز سهلت كثيراً عودتهما كلاعبين فعالين وأصحاب إضافة متوقعة، مدعومين بتقارير تتوعد الخصوم بقدراتهم.

هم دخلوا أبواب النادي من جديد كنجوم وليس كلاعبي أكاديمية ولا لاعبين تم إعادة شراؤهم، هم دخلوا كلاعبين يحتاجهم النادي لعمل إضافة، فعودة كارفخال كانت مرحلة حاسمة بالعاشرة، وموراتا جاء لينهي ظاهرة غياب بديل بنزيما، وهذا هو التوازن الذي بحث عنه بيريز ووجد حله بالخروج من أجل العودة.

في ظل هذا العمل، هناك مشروع النجوم مستمر، فكريستانو وبيل ومودريتش وكروس وكاسيميرو ومارسيلو كلهم ليسوا من أبناء النادي، لكن يتم من خلالهم ضمان النتائج وحمل الفريق في الظروف الصعبة، في حين يتطور موراتا ومن معه بصمت حتى يصبحوا جاهزين لحمل المزيد من أبناء النادي لاحقاً تماماً كما فعل برشلونة.

الإعلام الإسباني يحبهم..

يهتم فلورنتينو بيريز كثيراً لما يقوله الإعلام عن ريال مدريد، خصوصاً الإعلام المحلي الذي يمثل قاعدة الهدوء أو التوتر، وقاعدة تكوين الرأي العام عن النادي حول العالم.

لعل ما قاله المدرب السابق لوكسمبورجو عن موقف بيريز معه بعد استبدال الظاهرة رونالدو في إحدى المباريات قائلاً “الجمهور يحبه، لا يمكنك إخراجه”، يلخص أحد الأهداف من هذا المشروع.

بعد أن جاء جوزيه مورينيو، تحول ريال مدريد كأنه عدو للصحافة المدريدية، خصوصاً في الموسم الثالث، فالجميع بات يتربص بالنادي لإسقاطه، وباتت صحيفة ماركا أكثر تشدداً ضد القميص الأبيض من صحيفة موندو ديبورتيفو الكتلونية.

موراتا وكارفخال أسينسيو وفاسكيز وإيسكو وباقي الأسماء من أبناء النادي أو أبناء اسبانيا، هم نوع من الهدنة، يحميهم الإعلام ولا يهاجمهم إلا نادراً، لا ينتقدهم إلا في الحالات التي لا مهرب من ذلك.

قوانين الاتحاد الأوروبي

أي نادي يقدم قائمته الأوروبية للمشاركة في دوري الأبطال، ملزم بوضع 4 لاعبين من أبناء النادي، و8 ممن تدربوا كناشئين في البلد الذي ينتمي لها، مع استثناء اللاعبين ممن هم أقل من 21 عاماً.

هذه المسألة مهمة في ضرورة التحول المدريدي لهذا الأمر، لأن فشل ريال مدريد بوضع هذا العدد، يعني أنه سيدخل البطولة بقائمة منقوصة قد تخلق أزمة في حال وجود إصابات أو غيابات أو تراكم إرهاق.

الخلاصة.. فكرة متعددة الأهداف

فلورنتينو بيريز لا يقدس كرة القدم بقدر ما يقدس النجاح، هذه قاعدة ثابتة يجب أن نعترف بها ونتفق عليها.

هو يعرف أن أفضل ضمانة لنجاح ريال مدريد المستمر ليس وجود أفضل لاعب في العالم ضمن صفوفه، بل بوجود القدرة المالية التي تمكنه من جلب الأفضل دوماً سواء كلاعبين أو مدرب.

هذا المحرك الرئيسي له جعله يفكر بالأكاديمية، لإنتاج مواهب أقل تكلفة وللعلم هم أقل أجوراً أيضاً، وفي نفس الوقت ركز على النجاح الرياضي من خلال النجوم الموجودين، وأضاف لهم لمسة أبناء النادي.

أبناء النادي عادة أكثر إخلاصاً له ورغبة بالفوز، كما أنه استطاع من خلالهم خلق توازن في منافسة ترويجية مع برشلونة حول النجاح المتعدد الأوجه، إضافة لنقطة محبة الإعلام لهم ورغبته بالهدوء.

تابع الكاتب على شبكات التواصل الإجتماعي:

 



سناب شات : m-awaad

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *