رسالة صادقة إلى المعلقين العرب .. حتى لا نخسر جميعاً

هي مجرد كلمات من شخص قرر أن يقول كل ما في قلبه

محمد عواد – سبورت 360 – قبل أن تقرأ عزيزي هذه الرسالة، عليك أن تعرف أنني مجرد شخص وجد مساحة من الحرية ليقول رأيه، وهو أمر يناله كثيرون هذه الأيام، بالتالي لا تعتبر كلامي انتقاداً أو استعلاءً أو وضع نفسي حكماً على الآخرين، فهو مجرد كلام صادق يلخص نظرتي بما يجري في عالم التعليق.

إلى صديقي المعلق..

أنا مشجع كرة قدم مهووس، يظهر على وجهي ابتسامة بلهاء كلما رأيت كرة تتدحرج في الشارع، نشأت وأنا أتعلم على يد المعلقين أكثر مما أتعلم على يد المحللين، ما زلت أذكر أحد المعلقين في الأردن وهو يروي قصص معاناة كل لاعبي البرازيل في طفولتهم، وأخر يصر على أن جوتي هو جيريمي، وخليط أخر من الأفكار والأخبار بصحيحها وخطأها، كان أهم ما فيها أنها جعلتني أدرك أن كرة القدم أكبر مما أشاهده في الملعب بكثير.

عندما انتهت مباراة ريال مدريد وبروسيا دورتموند، وصلني على صفحتي في الفيسبوك 122 رسالة بالضبط خلال 24 ساعة من صافرة الحكم، كان منها 19 رسالة تسألني عن رأئي بالتعليق على المباراة، أي أن 16% من الرسائل تهتم بالمعلق على هذه المواجهة أكثر من الاهتمام بالجانب الفني ونسيان زيدان لموراتا أو عدم حفاظ الملكي على نظافة شباكه، الأمر الذي جعلني أشعر أنه جاء الوقت لأكتب ما في قلبي وما أعتقد به.

أريد أن أبشرك بأنك أهم معلق في العالم، فقد شاءت الأقدار أن أعمل مع عديد الجنسيات والثقافات في مجال الرياضة، ولم أسمع أي منهم يعتبرون المعلق جزءاً من اللقاء، ولم أسمع نقاشات حادة حول أفضل معلق كما يدور لدينا، ولم أشاهد المقابلات الصحفية مع معلقين في مجلات وصحف مرموقة كما يحصل في العالم العربي، فأنت بالنسبة للجمهور مثل الحكم واللاعب، أنت جزء من اللقاء.

يردد كثيرون أنهم يفضلون الاستماع للغة الإنجليزية، وأنا أعتقد أن 85% ممن يقولون هذا غير صادقين أو كان تصريحهم مؤقتاً لحظة غضب، لأنني جربت ذلك من فترة، وشعرت أنني أشاهد فيلما وثائقياً عن أثر الاحتباس الحراري على حياة السلحفاة الوسط آسيوية في طاجكستان، فأين الحماس والشغف الذي يظهره المعلق؟.. وما هذه الرتابة في لعبة خلقت كي نتنفسها أكثر مما نشاهدها؟

نعرف معظمكم منذ سنوات طويلة، وتعلمنا على أيديكم الكثير من المعلومات، وجعلتمونا نبحث عن مصادر معلومات ذكرتموها، منها ما تبين خطأه ومنها ما تبين أنه صحيح، وجل من لا يسهو، لكن ربما وجب لفت الانتباه إلى أنه من المفضل أن لا يتم ذكر معلومات إلا موثقة أو مذكورة المصدر، فشبكات التواصل الاجتماعي تعج بالمعلومات الخاطئة، وكذلك المواقع الالكترونية بلغاتها المختلفة.

وبما أنني أعرف غالبيتكم من قبل عصر الإنترنت، فقد تغيرنا كثيراً منذ ذلك الحين، أصبحنا نعرف نتيجة أي لقاء في حال نهايتها، بل نعرف التشكيل الرسمي للفريق قبل 24 ساعة خصوصاً لو كان حارسه كاسياس، وفي إحصائية، فإن المستخدم العادي منا يقرأ 60 خبراً يومياً في شبكات التواصل الاجتماعي من دون أن يشعر بذلك.

لكنني متفاجىء قليلاً أن أسلوب كثيرين منكم لم يتغير، فهو ما زال نفس الأسلوب منذ عام 2000، رغم أن كل شيء تغير، كمية المعلومات التي يتلقاها المتابع، كمية وعيه بالتفاصيل الرياضية، ففي عصر شبابي كان العبقري من يعرف أن هناك حارساً اسمه ياشين، أما الجيل الصاعد الحالي فهو يسأل عن لاعبين عاديين في التاريخ، ويبحث عن أرقام وتفاصيل دقيقة، ويفهم جيداً بتكتيك كرة القدم أكثر من مجرد فهمنا في الماضي، حيث كنا نعتقد أن كل الفرق في العالم تلعب بخطة 4-4-2 ما عدا برشلونة يلعب 4-3-3.

وشبكات التواصل الاجتماعي هذه شريرة صدقوني، وأنا أعيش فيها وأعرف حملها السلبي ووجهها الإيجابي، فمن قال لكم أنكم مطالبون “بأفيهات” على قول الأخوة المصريين في كل لقاء، ومن قال أنه يجب سماع السجع والشعر في كل مواجهة؟ .. فالاصطناع يقلل من بريقكم، ويدفع البعض للتشكيك حتى في لحظاتكم الصادقة.

يوم أمس كنت أشاهد لقاء، اخترت يا أستاذي المعلق رجل المباراة بعد 13 دقيقة بالضبط، في حين أنني أذكر معلقاً قال بعد انطلاق أول مباراة لفريق تحت قيادة مدربه الجديد وبعد 28 ثانية فقط أنه يشعر بروح جديدة (لا أبالغ هنا أبداً)، وبعد 77 دقيقة تبين أن هناك رجل مباراة كل 13 دقيقة مما أوقعك بالحرج، وأما الفريق الثاني فما زال يتذبذب إلى يومنا هذا رغم أن التفاؤل مستمر.

شبكات التواصل اصطادت المسألتين، بالتالي ربما يفضل أن ينتبه البعض إلى توقيت قوله المعلومة، فنحن نحب المعلق المحلل، والذي يتفاعل معنا، لكن نحب أن يحلل بالوقت المناسب، فمن غير المنطق أن يتم الحديث عن اتباع فريق أسلوب الضغط العالي في أول 5 دقائق من اللقاء، فهذه الفترات معروفة أنها لجس النبض بشكل عام، ومن الصعب أن نحكم على رجل المباراة قبل الدقائق الأخيرة إلا لو سجل أحدهم سوبر هاتريك مثلاً، عندها لا يحتاج المستمع لاختيار رجل المباراة.

ومن الأفضل طبعاً محاولة الإطلاع على أسماء كل اللاعبين قبل المواجهة، ومن الأفضل أيضاً أن تتوقفوا عن تذكير المستمع بأنك قلت له أن ذلك سيحدث أو أن هذا سيحدث، فالمواطن العربي بشكل عام لا يحب استفزازه بأنك تحديته وفرضت عليه التحدي ثم هزمته، كما أن كثافة ظهور البعض مؤخراً باتت لافتة، بشكل يجعل البعض يسأل “أين المعلقون الآخرون؟ .. ومتى سيتم منح الفرصة للمعلقين الآخرين الذي نسمعهم على مباريات أخرى أقل شأناً؟”

ولا بد من التذكير بأن هناك فرق كبير بين استوديو التحليل والتعليق، فصحيح نعرف أن فلاناً يشجع ميلان وآخر يشجع الإنتر في ستوديو الدوري الإيطالي، وأن فلاناً برشلوني يحلل في ستوديو الدوري الإسباني، لكنهم محللون، بالتالي يمكننا بكل بساطة أن نعيش من دونهم ، لكن من الاستحالة العيش من دونكم، ليس فقط لما تضيفوه على المباراة، بل لأنكم صوت المباراة بالنسبة لنا، فليس هناك أي قناة تبث مباراة بصوت جمهور فقط.

بعد كلاسيكو 2010 والذي فاز فيه برشلونة 5-0، كان هناك معلق على اللقاء معروف لدى الجماهير بأنه معلق ليونيل ميسي، حققت مقالة زميلي نبيل اليعقوبي الذي هاجمه فيها أكثر من 300 ألف قراءة، منها ما يقارب 150 ألف زيارة عبر محرك البحث، أي كانت هناك حالة غضب على الانحياز المفرط، ولم يكن لدى الكثيرين خياراً إلا الاستماع.

بالتالي يفضل فصل الأمنيات ووجهات النظر والمشاعر عن التعليق، فنحن هنا معشر العاملين بالإنترنت لنا إيجابية عليكم، أنه يحق لنا قول ما نشاء، وفعل ما نشاء، لأن الناس تملك أيضاً حق متابعتنا من عدمها، وحق نقدنا المباشر بوجهنا.

قبل كأس العالم 2014 بأيام قليلة، كانت لي فرصة اللقاء مع 4 صحفيين، كان مجموع سنوات خبرتهم يزيد عن 100 سنة، وهذا رقم دقيق لأنني تحدثت فيه معهم وكان محل ضحك بيننا لأنني كنت المبتدىء في نظرهم، هؤلاء كلهم من عصر الصحافة الورقية، وكانوا يتحدثون عن ضرورة وضع معايير للتعليق والالتزام بها.

رفضت بشدة يومها، وكانت وجهة نظري أن تنوعكم هو مصدر استمتاعنا بكم، وأن هذا التنوع ما يجعلكم مميزين عن معلقي اللغات الأخرى، وهذا ربما سبب اعتراضي على كثافة ظهور بعض المعلقين مؤخراً، وأيضاً سبب استغرابي أن أحدهم يصر على تقليد صوت أخر وكلماته، وأن أحدهم يقتبس أسلوب أخر حرفياً، فنحن نريد 22 معلقاً، ليس معلقاً بـ 22 اسماً.

علموني في المدرسة قصيدة شعرية لابن زريق البغدادي ما زلت أذكر مطلعها “لا تعذليه فإن العذل يولعه، قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه”، وهي قصيدة عن رجل عاشق، وليس هناك بعاشق أكثر جنوناً واقل عقلاً من عاشق لفريق في كرة القدم، وهنا ربما ينبغي التخفيف من حدة الانتقاد للاعب معروف أن مستواه كبير بسبب مباراة سيئة، لأن الجمهور في هذه اللحظة يأخذ الأمور بسلبية، ولست أقول هنا أن ينافق المعلق، بل أقول أن ينتقي الكلمات لنقد اللاعب حتى لا تسوء علاقة المعلق بجمهوره، فمن الاستحالة أن ينسى الجمهور قول أحدهم “جاريث بيل لم يقدم شيئاً لريال مدريد سوى هدفين”، وهو يراه يتألق ويقلب كل شيء لاحقاً خلال الموسم.

ولو أردت تلخيص رسالتي هذه، فيمكنني القول بأن المثالية حالة غير موجودة إلا على الورق، وأنه رغم سماعي لمآخذ وقولي لمآخذ على تصرف هذا المعلق أو ذاك، لكنني عندما أنظر للأمور من الخارج أجد أنفسنا محظوظين بهذا التنوع، وبهؤلاء المعلقين.

لكنني أعتقد أن التحقق من المعلومة أمر مهم، وضبط المشاعر كذلك، ومنح المزيد من الفرص للمعلقين الشباب على مباريات يتابعها كثيرون، فالناس لا تتطور إلا تحت الضغط، وكعامل قليل الخبرة في المجال الإعلامي أعلم جيداً كيف يتم توزيع مثل هذه المهام، بالتالي المسألة تحتاج لنظرة أخرى وبالإمكان متابعة ردود فعل الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعي على هذه التجربة.

كما أنه من الأفضل التوقف عن إصدار الأحكام المستعجلة على وجهة اللقاء في الدقائق الأولى، وتجنب لفظ رجل المباراة في بدايتها، وعدم الميل السريع للفريق الذي يسجل وجعله كأنه ساحق ماحق، والكف عن تحطيم ماضي لاعب كامل بسبب مباراة.

وأخر النقاط التي سيكون جميلاً لو حققناها، ألا وهو بعض التوازن بين الحماس والهدوء، فبعض لحظات اللقاء تتطلب الحماس، وأنتم لستم مطالبون لاستمرار التحميس طوال اللقاء، فالهدوء هذا يعطي المشجع فرصة لكسب الأنفاس، ويحميكم من المبالغات.

هي رسالة أؤمن بكل كلمة فيها، والنية فيها صادقة، وواثق من وصولها لبعض منكم، كما أن فيها رسالة للجماهير بأن لا ننسف الماضي الجميل بيننا وبين المعلقين بسبب مباراة أو جملة، وأعتذر في نهايتها عن تطفلي على عمل غيري.

تابع الكاتب على شبكات التواصل الإجتماعي:

 



سناب شات : m-awaad

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *