محمد عواد – كووورة – مع كل مباراة كلاسيكو في السنوات الأخيرة، تخرج بعض الأصوات المنزعجة من كثرة اهتمام الإعلام بهذه المواجهة، ولكن الإعلام مجبر لا بطل في تغطيته واهتمامه بهذا اللقاء الناجم عن اهتمام وزحف جماهيري رهيب، ولعل وجود اللقاء على الصفحات الرئيسية في مواقع الكترونية لصحف إنجليزية وألمانية يبرر المسألة في جميع أرجاء العالم.
لم يكن الكلاسيكو بهذه الهيمنة المطلقة في الماضي، فلو تزامن قبل 10 سنوات مع مباراة مثل ديربي ميلانو لكانت الشعبية منقسمة، لكن الوضع الآن تغير، وبات الكلاسيكو لا يعلو عليه، فكيف تغيرت البوصلة إلى اسبانيا؟
ثلاثة عناصر تلعب دوراً رئيسياً فيما يجري حالياً، واختلال أي منها سيعني اختلال المنظومة كاملة، الأمر الذي سينعكس مباشرة على فقدان السيطرة الحالية والهيمنة غير المسبوقة.
– النجاح الأوروبي
برشلونة يخوض دور الثمانية هذا الموسم في دوري أبطال أوروبا للمرة الثامنة على التوالي، في حين احتفل ريال مدريد الموسم الماضي بالعاشرة، ويطمح هذا الموسم للعب دور نصف النهائي للمرة الخامسة على التوالي.
فترة تفوق برشلونة الأوروبية المثالية كانت في عهد بيب جوارديولا، وحسب دراسة نشرت في مطلع عام 2013 فهو تفوق لم يساهم فقط بزيادة الاهتمام بالكلاسيكو أو برشلونة، بل بكرة القدم كلها، حيث ارتفعت شعبية اللعبة في أوروبا بين الجنس الناعم بنسبة 400% وكذلك الحال في الشرق الأوسط، في حين كان اهتمام الجنس الناعم من شرق أسيا قد تزايد إلى 1000%، ووصف بعض الإعلاميين الأمر آنذاك بقولهم “برشلونة فعل ما عجز عنه الفيفا بنشر كرة القدم خارج إطار الرجال”.
نجاح أوروبي مبهر لبرشلونة، ومحاولة مدريدية لمواجهته بالتعاقد مع أفضل اللاعبين والمدربين، توج الأول فترته بلقبي دوري أبطال، أما الثاني فأحرز واحدة تعتبر بالنسبة للعالم خاصة جداً، لأنها العاشرة.
مثل هذا الوجود الأوروبي الدائم يعكس الشعبية المتزايدة، ويعكس أيضاً تراجع الاهتمام بالقمم الكبرى في ايطاليا بشكل كبير أو نسبياً في انجلترا، وتحسن مستوى مشاهدة الكلاسيكو الألماني -الجديد – بين بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند.
– ماكينة إعلامية منظمة
لم يعد خافيا على أحد أن ناديي برشلونة وريال مدريد يمارسان عملاً إعلامياً منظماً مدعوماً بصحف مدريد وبرشلونة، صحيفة ماركا وآس وسبورت وموندو ديبورتيفو لم تعد ناقلة للخبر وحسب، بل صانعة رأي عام، وصانعة للقرار الداخلي في النادي.
تقارير سابقة تحدثت عن تحالفات واتفاقيات عديدة تمت بين الطرفين؛ النادي والإعلام، وهذا ساهم كثيراً بمعرفة الجماهير كل تفاصيل حياة نجومهم، وأدق الظروف داخل الناديين، إضافة لرصد كل نجاح أو رقم قياسي مهما كان صغيراً يحققه أي من الطرفين.
– النجاح المالي المتواصل
منذ بدء مؤسسة ديلويت توثيق أرقام الدخل لأندية كرة القدم وحتى موسم 2003-2004، لم يكن ريال مدريد وبرشلونة الأعلى دخلاً، بل في نهاية موسم 2003-2004 كان النادي الملكي في المركز الثاني وبرشلونة في السابع، وبعدها في موسمين وحتى نهاية موسم 2012-2013 سيطر الاثنان على المركز الأول والثاني بانقلاب صنع فارق جودة في الملعب وقدرات في الأكاديميات وملاعب التدريب وإمكانيات التسويق.
برشلونة الموسم الماضي تراجع إلى المركز الرابع، لكن من المتوقع أن يعيد سريعاً للمركز الثاني خلف ريال مدريد هذا الموسم، وهذا التفوق المالي السنوي، جعل الناديين أصحاب قدرة شرائية كبيرة، وقدرة على الحفاظ على نجومهم أيضاً من خلال منح أجور كبيرة لايستطيع أحد مضاهاتها.
100 مليون يورو أنفقها ريال مدريد على لاعب واحد في خط الهجوم، و180 أنفقها برشلونة على لاعبين اثنين للتعاون مع ليونيل ميسي في خط الهجوم (مع احتساب كلفة نيمار الحقيقية وتكاليف الغرامات الأولية الناتجة عنها)، وهذه مبالغ للتعاقد مع ثلاثة لاعبين لو تم جمعها، لفاق ذلك دخل أي نادي كرة قدم في العالم باستثناء 9 أندية فقط.
– أفضل النجوم نتيجة لما سبق
وجود أفضل النجوم ليس عنصراً أساسياً من تحول البوصلة إلى الكلاسيكو، بل هو ناتج عن العناصر السابقة، فالنجم يريد أجراً ممتازاً، واستقراراً في مشاريع النادي الذي يضمنه الدخل العالي، واهتمام إعلامي وترويجي له، الأمر الذي تضمنه الماكينة الإعلامية التي لا تهدأ.
من أجل ذلك، بات خيار أي لاعب سهل؛ ريال مدريد أو برشلونة، ثم يفكر بالآخرين، خصوصاً لو ضمن لعبه بشكل أساسي، ومن أجل ذلك، يتردد ميسي ورونالدو بالرحيل ولو شعروا بالإنزعاج بعض الأحيان، ومن أجل نشاهد كلاسيكو كل عام منذ 2009، يضم أفضل 7 لاعبين على الأقل من أفضل 10 في العالم، وكانت نتيجة طبيعية يوماً ما أن يختار من وصفهم الفيفا بالمختصين فريق العام كاملاً من الفريقين بالإضافة لفالكاو الذي كان يلعب مع أتلتيكو مدريد، وذلك عام 2012.
ما سبق منظومة كاملة معتمدة على بعضها البعض، أي اختلال في ركن سيتسبب بضعف الركن الآخر، فظهور أندية بمعدل دخل أكبر ستحرف من البوصلة شيئاً ما، وفرق تكرر النجاح الأوروبي والمنافسات ستفعل ذلك أيضاً، أما الماكينة الإعلامية فتبدو الركن الأكثر ثباتاً لحسابات سياسية وقومية في الناديين على العكس من باقي الأندية الكبرى في أووربا.