محمد بلقاسم – “من والدي لم أحصل إلا على الألياف العضلية”، هكذا تحدث الإيطالي جاكوبس عن والده الأمريكي في تصريح يؤكد أن ما حدث في نهائي 100 متر للرجال بأولمبياد طوكيو لم يشُذ عن القاعدة بغض النظر عن جنسية المتوج، فاليوم ولأول مرة منذ حوالي 30 عاما وللمرة السادسة في التاريخ تكون ذهبية 100 متر الأولمبية لصالح دولة أوروبية ولكن بجينات أمريكية، وعلى مدار تاريخ الأولمبياد الحديثة كانت السيطرة في سباق الإثارة للأمريكيين الذين احتكروا 16 ميدالية ذهبية في هذا التخصص لصالحهم، مقابل 3 ميداليات لـ جامايكا وجميعها من نصيب الأسطورة يوسين بولت الذي اعتزل عالم “أم الألعاب”.
تتويج جاكوبس كان مستحقا للغاية بالنظر إلى تطوره الكبير هذا العام، فبعد الإقصاء من نصف نهائي ذات التخصص في بطولة العالم بقطر سنة 2019، عاد بقوة وتوج بسباق 60 مترا ببطولة العالم داخل القاعة، قبل أن يبعث آمال الإيطاليين في حصد ميدالية أولمبية بعدما تمكن ولأول مرة من كسر حاجز 10 ثوان، وذلك في تجمع “سافونا” بإيطاليا، إنجاز جعله يكثف العمل بشكل كبير جدا ليؤكد أنه وُلد ليكون عداءً سريعا، فالألياف العضلية البيضاء موجودة ودم كارل لويس، موريس غرين وجاستين غاتلن الأمريكي هو الذي يسري في عروقه.
حديث بطل 100 متر الأولمبي عن الألياف العضلية هو مربط الفرس بعيدا عن العمل والتدريبات، فالعضلات وكما هو معروف فيها مزيج من الألياف الحمراء والبيضاء، ولكن هناك عضلات فيها ألياف حمراء أكبر وأخرى فيها ألياف بيضاء أكبر، وتوصف الألياف الحمراء التي يتميز بها المتخصصون في المسافات الطويلة بالألياف العضلية بطيئة الإجهاد، لأنها ببساطة تحتوي على نسبة عالية من الأكسجين ولأجل تخزين هذا الأخير في خلايا العضلات تكون هناك حاجة لـ “الميوغلوبين myoglobin”، وهو بروتين أحمر يتكفل بحمل الأكسجين إلى الأنسجة العضلية.
في الجانب الآخر هناك عضلات بألياف بيضاء أكثر مثل التي يتميز بها أبطال المسافات القصيرة Sprinters، لأن هذه الألياف أكثر سمكا ولديها إمكانية أكبر للنمو ولذلك نجد هؤلاء بعضلات بارزة عكس المتخصصين في الماراطون والمسافات الطويلة، وتبدو الألياف البيضاء بهذا اللون لأنها تحتوي على نسبة أقل من “الميوغلوبين”، وبالتالي هناك أكسجين أقل في الأنسجة العضلية، وعلى عكس الألياف الحمراء فإن هذه البيضاء تعمل بالطاقة اللاهوائية Energy anaerobically، أي دون أكسجين، بل من خلال الجليكوجين الذي يوفر الطاقة بسرعة كبيرة ولكن على المدى القصير فقط (حوالي 30 ثانية).
ومثلما تحدث الخبير مايكل جوينر في كتاب نشره سنة 1991 عن إمكانية تحقيق الإنسان لتوقيت قدره 1 ساعة، 57 دقيقة، 58 ثا في سباق الماراطون بشرح الطريقة الخاصة بالحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين + التعامل مع تراكم حمض اللاكتيك، وهو ما كان يبدو مستحيلا قبل ظهور إليود كيبشوغي الذي نجح في كسر حاجز الساعتين ولو في سباق غير رسمي، فإن التساؤلات تبقى مطروحة حول ما إذا كان سينجح جاكوبس أو غيره مستقبلا في تحطيم أرقام يوسين بولت التاريخية، أمر يبدو مستحيلا حتى الآن ولكن العوامل البدنية لأسرع رجل في العالم حاليا تجعله مرشحا لتقديم الكثير مستقبلا، فلا أحد كان يتوقع ظهور كارل لويس جديد، ولم يكن أي متتبع ينتظر عداءً أسرع من موريس غرين، ولم يتصور أي جامايكي أن شابا طموحا اسمه بولت سينسيهم في أسافا باول، وحتما ما يبدو مستحيلا اليوم لن كذلك مستقبلا، فهكذا عودتنا الرياضة عموما وأم الألعاب خصوصا.