مبادرة وكتابة وترجمة : محمد الأحمادي
ملاحظة : الترجمة ليست حرفية، بل استخلاص للدروس وإعادة صياغة لها بشكل يمكن القارىء من الاستفادة ، والفضل فيها كاملاً لمحمد الأحمادي.
الحلقة الأولى .. سر جوارديولا الخفي والرسالة المؤلمة
ألقى الممثل الأمريكي “وودي آلان” التحية على بيب غوارديولا، و بذات تعابير وجهه المضحكة التي اعتدناها في أفلامه، قال له: “مرحبا بك بيب، أخشى أن يصيبك الملل في عشاءنا هذا، لا أحد يهتم بكرة القدم في هذه الطاولة.”
“لا مشكلة لدي وودي، أنا عاشق للسينما، أو…أتدري؟ يمكننا الحديث عن KNICKS، نسبة لفريق NEW YORK KNICKS لكرة السلة الأمريكية.”
الساعتان الآتيتان بعد رده هذا، كانت بكل لحظاتها عن الـ KNICKS.
و بهذا استطاع بيب غوارديولا هنا أن يرفع الستار عن أحد خفايا شخصيته غير المعروفة، و هي القدرة على التكيف مع البيئة التي تزرعه فيها الظروف، صحيح أن صورته “المشاعة” تجعله يبدو رجلا عنيد الطباع، صلب القلب و صارم القرار، لكنه على غير ذلك بتاتا، هو رجل حرباء، مرن، و قابل للتكيف بلمحة.
التكيف إذن، هو سره المخفي، الوجه المحجوب لغوارديولا، التكيف مع اللاعبين، مع الخصم، مع مختلف الظروف، التكيف ليفرض فكرته بشكل أفضل، ففي النهاية، البقاء ليس للأقوى أو للأذكى، بل للأكثر قدرة على التكيف و الانسجام، و قد كان لألمانيا بالضبط الفضل في الكشف عن جوهره أكثر.
و لأنه الرجل الحرباء، المرن بطبعه، لم يحاول غوارديولا زرع فكر كرويف، الذي يتقنه عن ظهر قلب، في بيت بيكنباور، بل تصرف بدهاء أكبر، و ذلك بمزج فلسفة كرويف الكروية بفلسفة بيكنباور، والنتيجة أسفرت عن أسلوب لعب جديد، يجمع بين أفضل ما في الفلسفتين.
فيليب لام، ظل بيب في الملعب، صرح برأيه حول غوارديولا قائلا: ” المبدأ الأكبر لكرويف هو، و بشكل حرفي، لعب كرة القدم، لا أقل و لا أكثر، لم يكن يريد السيطرة على الخصم، بل كان هدفه السيطرة على الكرة و اللعب، و هذا بالضبط ما كنا نفعله و نتقنه مع غوارديولا.”
الأمر نفسه مع دومينيك تورنت، اليد اليمنى للفيلسوف، الذي صرح بأن بيب هو تلك التوليفة التي تجمع بين برشلونة كرويف، و كل ما تعلماه في ميونخ.
و في ذات السياق، كان لغوارديولا أيضا رأي في هذا الأمر، حيث اعترف قائلا: “أعتقد أنني الآن مدرب أفضل مما كنت عليه سابقا، كل ما تعلمته هنا في ميونخ، سيفيدني في المستقبل. بداية، ظننتني قادرا على جلب لعب البرسا ونسخه في بايرن ميونخ ، لكن ما فعلته في الحقيقة، هو أنني ضبطت مبادئي، و جعلتها تتكيف و تتلاءم مع ما يتقنه لاعبو البايرن مسبقا. لقد كانت تركيبة رائعة فعلا.”
غوارديولا اليوم مدرب أفضل، لا جدال في هذا، رغم أنه لم ينتصر كليا في البايرن، و هناك من ينعت مروره في البايرن بـ “غير المكتمل”، لأنه لم يحقق الثلاثية و لا دوري الأبطال، إلا أنه قد حقق سبع بطولات مع الفريق البافاري، منها ثلاث بطولات دوري متتالية، محطما بذلك كل الأرقام القياسية لكرة القدم الألمانية ، ولا ننسى أهم انجازه و هو أسلوبه الكروي الذي حول أسلوب لعب البايرن إلى أسلوب مهيمن، متنوع، وبالأخص، لا مثيل له.
وهذه رسالة اعتراف و انحناءة احترام، بتاريخ 05 يناير 2016، من أحد الجماهير الأوفياء للبايرن، إلى بيب غوارديولا، بعدما أعلن رحيله إلى السيتي:
” ما زلت طريح فراش خيبة الأمل منذ رسمية خبر رحيلك عنا، لم تخذلنا أنت أبدا، لهذا أذكر لك الآن قولك: لست إلا قطعة صغيرة من تاريخ النادي.
أنا أشجع البايرن منذ أكثر من ثلاثين عاما، و أريد إخبارك هنا بأني لم أستمتع بفريقي بهذا القدر إلا منذ توليك تدريبه منذ عامين و نصف، لم أر أبدا فريقي يلعب كرة جميلة كالتي لعبها معك، و كمية اللحظات الجميلة التي منحتنا إياها، أنت و فريقك، لا حصر لها و لا عد، لقد بكيت فرحا مرات عديدة.
من أجل هذا كله، عندما تقول ان مهمتك لن تكتمل إذا لم تفز بدوري الأبطال، فعليك أن تدرك أن العديد من الجماهير لا يرون الأمور بهذه الطريقة. أنا أحب الفوز، لا شك بهذا،فالكل يفعل. لكنني أريد الفوز بالطريقة التي كنا نلعب بها معك، أريد الفوز بهذا الأسلوب الذي قل نظيره.
لا كلمات لدي لوصف السعادة التي يبعثها فينا فريقك عند مشاهدته. و حتى ان لم نفز، فسأحتفظ بإرثك حتى آخر أيام حياتي. غوارديولا لقد كنت مصدر الهام لي كشخص، أشكرك من أجل هذا أيضا. سنستمتع معا في الستة أشهر المتبقية على رحيلك…”
لم يكن على بيب أمام هذه الرسالة إلا أن يجعلها راسخة في الذاكرة. لهذا علق:
“إذا كان عملي قد بصم مشجعا واحدا فقط بكل هذا الشعور، فأظنه يستحق كل ذاك العناء…”