محمد عواد – من الأرشيف – سوبر – كان عندما يدخل يصفق له كل من يشاهده، كان عدوه قبل مشجعه يقف له احتراماً، كان عندما يعلن عن اسمه كأنما يعلن عن فوز كل الجمهور بجائزة كبرى مقدارها ملايين الملايين، كان التصفيق والصفير ينتشر في أرجاء الملعب والساحة التي يقترب منها، كان لا يستطيع أن يخرج من بيته لأن العشاق ينتظرونه ومعهم أوراقهم لنيل توقيعه، لقد كان باختصار نجماً يعشقه الجميع.
كان انتقاده بمثابة الخط الأحمر الذي يرقى إلى مرتبة المقدسات، كان المجنون من يقول “لا يعجبني” وكان أعقل عاقل من يقول إنه يحبه حتى لو لم يكن يحبه تجنبا لعواصف ردود الفعل، لقد كان أسطورة ومعبود الجماهير … لأنه كان نجماً رياضياً لكنه الآن لا يعرفه أحد بل إن الحديث عن نجوميته وأسطورته يثير سخرية البعض من الجيل الحالي.
مما شاهدته وبعيداً عن عالم الرياضة فناناً كان له حضوره يوما ما، كان الجميع يعرفه وكثيرون يحبونه لكن التغييرات التي حصلت في موسيقى اليوم جعلته على الهامش، شاءت الأقدار أن تجمعني بذلك الرجل في نفس المقهى قبل أسبوعين تقريباً، وعندما دخلت رأيت شخصاً صراحة لم أعرفه في البداية ينظر إلي بتركيز وغرابة كأنه يعرفني، فظننت لوهلة أنني نجم وأن بعض الناس قد يعرفونني فقلت شكراً لموقع أبو ظبي الرياضي، جلست وأنا أنظر إليه لأحاول التعرف على ذلك الرجل، بعد قليل دخل اثنان وجلسا بجانبي وتحدثا بصوت عالٍ أسمع كل من حولهم، هو الفنان “فلان”، فضحك الأخر وقال له “هل ما زال حياً؟”….
نعم…لقد عرفته الآن، هذا ما قلته لنفسي فإنه حقاً ذلك الفنان، فاستمريت بمراقبته وهو يحاول أن يلفت انتباه كل من يدخل ” ها أنا ذا..أرجوكم صافحوني…اعترفوا بأنني كنت نجماً”…لكن لم يتقدم نحوه أحد.
ذلك في عالم الفن .. والرياضة ليست إلا فنا يستعرض من أجله الرياضيون ليستمتع المتفرجون، فتخيلوا نجماً كان يوماً يكتب اسمه قبل اسم مدربه على التلفاز عكساً لدرجة التأكد من وجوده في التشكيل الأساسي، هو الآن ينزل في الدقيقة 92 ويقف وعلى وجهه علامات الكبرياء الذي يخفي خلفه الكثير الكثير من حالة الاندهاش وربما بكاء القلب والعقل، والذي يخفي خلفه الكثير الكثير من الألم.
في المصارعة هناك كان هولك هوجن يوما ما أفضل ما في تلك اللعبة بل كان هو اللعبة، لقد دار الزمان دورته فلم يعد سوى ذكرى وبات الناس يذكرون فقط هفواته وعيوبه أكثر من ذكرهم لأسطورة جعلتنا نعرف المصارعة، هذا الرجل يحاول لفت الانتباه إليه بكل الطرق الآن، وصلت به الحال ليرتدي ملابس مجنونة مثل ليدي غاغا لعل وعسى انتشر له فيديو بقوة في اليوتيوب، ويتم توجيه اتهامات له بأنه حاول نشر فيديو إباحي يظهر فيه وكأن الجنون وصل به إلى أقصى الدرجات والهدف دوماً أنه يريد أن يكون في الواجهة.
هل تعرف معنى أن يصمت لاعب مثل دل بييرو على مقاعد الاحتياط لأنه يعرف بأن الزمن لم يعد زمانه؟..وأن لا يتكلم انزاغي عن مدرب أغفل اسمه في كل الأيام المهمة لأن ساعة الزمن لا تتوقف؟…وأن يخرج راؤول بهدوء من فريق كان هو أسطورته في العصر الحديث لأنه أدرك بأن لمعانه من حوله لم يعد كما كان بل خفتت الأضواء؟… وأن يرضى ماتيرادزي بدور عريف الصف تقريباً مع مورينيو في الانتر لأنه يعلم بأن خيارين لديه فقط؛ إما البقاء صامتاً أو الرحيل صامتاً أيضاً؟… فاختار البقاء من أجل إظهار نفسه يحافظ على بعض الكبرياء.
قد نتحدث نحن عن هؤلاء الأساطير وقد يحفظ لهم البعض جميلهم وما قدموه ويطالب بالاحترام حتى أخر لحظة، لكن عالم الرياضة والتنافس لا يعترف بذلك ولا يقدره، فكل المطلوب اليوم الأداء وإلا فلتصمت وترضى بدور الكومبارس بعد أن كنت يوماً البطل الأوحد، إن هذا الأمر هو قمة الألم ولو فكرنا به من هذا المنظور وتخيلنا أنفسنا مكانهم، لربما طالبنا بقانون يجبر اللاعبين على الاعتزال قبل سن متقدمة كي لا يتعرضوا لهذا الأذى.
على الهامش : أذكى اللاعبين اعتزالاً بالنسبة لي كان زين الدين زيدان الذي اعتزل وهو في القمة قبل أن يدخل مثل هذه الدوامة!