محمد عواد – سبورت 360 – التجنيس الرياضي، ذلك الموضوع المتداول على ألسنة كثيرين، والذي نلحظ فيه بعض القطع المعلوماتية المفقودة، سواء عن تاريخه أو عن التفريق بينه وبين حالات أخرى من التجنيس، وعن أهدافه ونتائجه.
ولأن الموضوع يمس عدة دول في المنطقة العربية، ويطالب به البعض في بلادهم، في حين ينتقده آخرون، فإن طرح ملف شامل بات ضرورة ملحة، حيث نأمل منه أن يكون بداية طريق لتوضيح حدود هذا العالم، ولنستفيد منه بشكل إيجابي، حتى لا يغدو مجرد توزيع جوازات سفر لغايات المشاركة الآنية.
الفرق بين التجنيس الرياضي والتوطين واستغلال التوطين والجنسية الرمادية
قبل الخوض في تفاصيل عالم التجنيس الرياضي، ينبغي الوقوف على معنى بعض المصطلحات المختلطة في هذا المجال، وذلك حتى تكون الصورة واضحة فيما يأتي من مباحث في هذا الملف.
المصطلح الأول الذي يجب إدراكه جيداً، لإخراجه تماماً من النقاش هنا، هو مفهوم التوطين الطبيعي، والذي يعني حسب قضية التجنيس الرياضي “منح الدولة جنسية إلى أحد الأشخاص بناء على استحقاقه ذلك بشكل دستوري، ومن دون وجود غايات متعلقة بمشاركته في أية منافسات كانت، بحيث تكون هذه الجنسية الدائمة ويتساوى صاحبها بالحقوق والوجبات مع أي مواطن.”
ومن أمثلة التوطين، منتخب فرنسا عام 1998، فلاعبوه رغم أصولهم الأفريقية حصلوا على الجنسية الفرنسية قبل تحولهم لنجوم كرة قدم، وذلك بسبب هجرتهم مع أحد ذويهم أو كليهما إلى هناك، فمارسيل ديسايي على سبيل المثال، ولد في غانا عام 1968 لكنه بدأ حياته في فرنسا وعمره 4 سنوات، وحصل على الجنسية بشكل طبيعي قبل أن يركل كرة القدم.
يختلف التوطين تماماً عن التجنيس الرياضي، فالشخص يحصل على الجنسية لأنه ينشأ في تلك البلاد، ويصبح مواطناً، مطالباً بالدفاع عن بلاده التي ينتمي إليها، ثم إذا أصبح لاعباً، فهو يدافع عن قميصها الوطني. وكان من الممكن أن يصبح محامياً أو مهندساً أو عامل مطعم وهو حامل الجنسية أيضاً. لهذه الأسباب، لا يمكن لوم ألمانيا لأن مهاجمها أصوله بولندية، أو فرنسا لأنها تملك نجوماً أفارقة أو عرب، فهؤلاء حصلوا على الجنسية لأنهم عاشوا هناك، وليس لأنهم لاعبو كرة قدم.
وللتوطين وجه آخر يختلط كثيراً بالتجنيس الرياضي، فقوانين كثير من الدول الأوروبية تساعد المقيمين فيها بشكل قانوني على الحصول على الجنسية بعد عدد معين من السنوات، وهنا قد تستغل بعض الاتحادات الوطنية واللاعبون أيضاً هذه القوانين لتحقيق ما يتم تحقيقه من التجنيس الرياضي.
ولعل المثال الأكثر حداثة في هذه المسألة ما حدث مع دييجو كوستا، اللاعب البرازيلي الذي حصل على الجنسية الإسبانية بشكل طبيعي وقانوني تماماً كأي إنسان يقيم في إسبانيا ويحصل على عمل لعدد معين من السنوات، وبعد حصوله على الجنسية بشكل توطيني، مثل منتخب إسبانيا. ولو لم يستوفِ دييجو كوستا الشروط القانونية للجنسية الإسبانية، ما كان ليحصل عليها رغم حاجة منتخب اسبانيا لمهاجم في ذلك الوقت، وقد ظهر ذلك مع فشل إنجلترا بالحصول على خدمات عدنان يانوزاي لأنه كان بحاجة لمزيد من سنوات الإقامة في بريطانيا، وبالتالي مثل منتخب بلجيكا الذي يملك جنسيتها.
يعتبر استغلال التوطين وجه متزن للتجنيس الرياضي، لكن الأخير وجه أكثر عدوانية، وغالباً ما يتعرض للانتقاد حول العالم. يقوم التجنيس الرياضي على قيام اتحادات وطنية بالضغط لحصول أحد الرياضيين على جنسية مؤقتة أو دائمة، كي يقوم بتمثيل البلاد في المسابقات وتحقيق إنجازات أو تسجيل مشاركات، في حين لا يمكن لأي مقيم آخر ولو كان رياضياً الحصول على نفس الجنسية إلا لو تم اختياره للمشاركة بقميص تلك البلاد. هذا التجنيس هو الذي يتم الاختلاف عليه، لأنه يشمل عادة نوعاً من المصالح التجارية، أو حتى الاستغلال السياسي والمناكفات لبعض القضايا، الأمر الذي سنوضحه لاحقاً في هذا الملف.
المصطلح الرابع والأخير الذي تجب معرفته في هذا المجال هو الجنسية الرمادية. ويمكن تعريف هذه الجنسية على أنها “إحدى وجوه التوطين أو استغلال التوطين، لكن اللاعب يكون محتاراً بين تمثيل بلاده الأصلية أو بلاده الجديدة، وحتى لحظة القرار، فإنه يكون من أصحاب الجنسية الرمادية.” وما حصل مع منير الحدادي ذو الأصول المغربية، من حالة حيرة بين تمثيل منتخب إسبانيا أو المغرب، جعله حتى لحظة قراره تمثيل البلد الأوروبي صاحب جنسية رمادية، لكن بعد ذلك، بات إسبانياً، علماً أنه ولد وترعرع في إسبانيا، مما يجعل توطينه طبيعياً.
الرمادية هنا، أن اللاعب يحمل جنسيتين، ونالهما بشكل طبيعي من دون السعي لتجنيسه رياضياً، وبالتالي لا تتم معرفة منتخب بلاده حتى يقرر هو ذلك، وخلال تلك الفترة من حصوله على الجنسية الثانية حتى القرار بتمثيل منتخب معين، تعتبر جنسيته من منظور رياضي .. رمادية.
نبذة عن تاريخ التجنيس الرياضي
التجنيس ظاهرة بشرية تاريخية، تختلف مناحيها باختلاف العصور، فعرفت البشرية تاريخاً في تجنيس الشعراء والأدباء، وتجنيس الفلاسفة والفقهاء، وتجنيس المقاتلين والمحاربين، وتجنيس العلماء والمهندسين والأطباء، مع اختلاف طريقة التجنيس عبر العصور. ولو لم يكن هناك ما يسمى جواز سفر، لكن اشتركت كل هذه الظواهر بأمر واحد، “تعزيز المجتمع وقدراته.”
وظهر مفهوم التجنيس القائم على منح جنسية وجواز سفر في العقد الثاني من القرن العشرين، وذلك نتيجة الحرب العالمية الأولى، التي تحركت على إثرها فئات كبيرة من البشر عبر الحدود كلاجئين، مما اضطر الدول التي استقبلتهم لتنظيم أمورهم وجعل إقامتهم قانونية.
الدول المتفوقة برياضة معينة كانت تدفع الثمن بعض نجومها عبر تاريخ التجنيس الرياضي، وذلك بسبب شدة المنافسة في بلادهم لتمثيل منتخبهم، ولأن العالم يستهدفهم، فتجد مثلاً أن كثيراً من جنوب الأفريقيين (ما يزيد عن 20 لاعباً) مثلوا بلاداً أخرى في رياضة الكريكيت، في حين زاد عدد الأمريكيين الذين مثلوا بلاداً أخرى في كرة السلة عن 150 لاعباً، إضافة لما يقارب 50 صيني لعبوا بقمصان أخرى في كرة الطاولة.
وارتبط التجنيس الرياضي بالرياضات الرائجة، فخلال فترة انتشار كرة السلة على سبيل المثال في المنطقة العربية، نشط لبنان جيداً بتجنيس بعض اللاعبين، وكذلك فعلت الأردن، كما فعلت العديد من البلدان مثل إيطاليا في الرجبي خلال السنوات العشرين الأخيرة مع صعود نجم اللعبة لديهم.
كانت نقطة التحول الأساسية في عالم التجنيس صعود مفهوم العولمة بقوة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث أن ما قبل ذلك من تجنيس رياضي كان يحدث في ظروف قسرية أو اضطرارية، مثل هروب بوشكاش إلى إسبانيا من المجر في ظل ضغط السوفييت، لكن ما بعد ذلك ومع تبلور ما يدعم مفاهيم العولمة مثل الطيران المدني والهاتف، بدأت الظاهرة تأخذ منحى واضحاً وملموساً.
وارتبط صعود فكرة التجنيس بشكل مباشر بارتفاع أهمية الرياضة اجتماعياً واقتصادياً وحتى سياسياً، بعد أن كانت مجرد نشاط للهواة لمن يخفقون في شتى مجالات الحياة الأخرى؛ بل أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى أن الناتج القومي يرتبط بشكل غير مباشر بالنجاحات الرياضية المتحققة في البلاد.
ومما ساعد على انتشار ظاهرة التجنيس الرياضي، انخفاض اللهجة القومية والوطنية التي كانت سائدة في كثير من الدول، وذلك بعد عقدة ذنب الحرب العالمية الثانية الناجمة عن لهجة قومية قوية، وهنا يظهر لدينا تبرير تأخر ظهور التجنيس إلى العالم العربي حتى القرن الحادي والعشرين، وذلك في ظل بداية انخفاض هذه اللهجة في بلادنا، والتي كانت تصل في تطرفها بعض الأحيان إلى حد العنصرية دون أن نشعر.
يمكننا تلخيص ما سبق، بالقول إن التجنيس ليس فكرة مبتكرة بل هي عادة إنسانية لكسب الأفضل إلى صفك، لكنها تطورت وتسارعت بفضل تطور وسائل النقل والاتصال مؤخراً، ولأن الرياضة جزء لا يتجزأ من الحياة، فقد ظهر ما يعرف بالتجنيس الرياضي.
التجنيس الرياضي… عندما يخدم الصراعات السياسية
بعيداً عن مفاهيم المساواة والعدالة في التنافس، أو مدى أهمية الفخر بإنجاز لشخص تحت علم لا يمثله إلا لمصلحة، وهي الأمور التي تصاحب النقاش عن التجنيس الرياضي، فإن هناك وجهاً آخر لاستخدام هذه الظاهرة، ألا وهو التوظيف في صراعات السياسة وأهدافها.
وتعد قضية نادية كومينيتش (يكتبها العرب عادة كومانتشي لكن اللفظ الروماني الصحيح هو كومينيتش) أبرز توظيف للتجنيس المتعلق بالرياضة في الصراعات السياسية، حيث استخدمت الولايات المتحدة بطلة الجمباز الرومانية لغايات ترويج انتصارات على الاتحاد السوفييتي ومعسكره الشرقي. نادية هي أول لاعبة جمباز تحقق العلامة الكاملة في مسابقة أولمبية، وأرقام مثل خمس ميداليات ذهبية وثلاث ميداليات فضية في الأولمبياد، وذهبيتان في بطولة العالم، وتسع ميداليات ذهبية في البطولات الأوروبية، تجعل منها أفضل من غيرت جنسيتها من أصحاب الخلفيات الرياضية.
هربت نادية عام 1989 بعد 5 سنوات من اعتزالها، لتقيم ما بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية، وتحصل على جنسية الأخيرة، ومع هروبها واستقبالها كبطلة أولمبية لاجئة، كان الترويج لانتصار مفاهيم الحرية الأمريكية على الشيوعية السوفييتية. ورغم أنها لم تحصل على الجنسية لغايات التنافس، لكن يعتبرها كثيرون من أشهر أمثلة التجنيس الرياضي لما تحمله من تاريخ رياضي كبير، ولأن الدافع الأساسي لاحتضانها كان أنها متسابقة بطلة.
ومع توتر الأجواء بين مصر وقطر في ظل الأحداث ما بين 2011-2014 التي جاءت تحت مظلة الربيع العربي، اتجه الطرف الرياضي المصري لتشديد الإجراءات تجاه أي لاعب يقبل تمثيل المنتخبات القطرية، في حين تجاهل الطرف الثاني رغبات نظيره، علماً أنه لم يكن الموقف السائد قبل ذلك. وكانت قضية لاعب القرص معاذ محمد صابر آخر ما فجر صراع التجنيس الرياضي بين الدولتين العربيتين، حيث قال الإعلام المصري إن محمد وهو طالب في مدرسة الموهوبين التابعة لوزارة الشباب والرياضة قد هرب إلى قطر من دون الحصول على الإذن المطلوب، فكانت ضغوط كبيرة لمنع قطر من منحه ما يريد. ووصلت القضية إلى أعلى مستويات التصعيد، خصوصاً أن محمد لم يكن الأول، فقد سبقه كل من أحمد بدير وأشرف أمجد وأحمد أمجد بتمثيل القميص العنابي في ألعاب القوى المختلفة.
واصل الاتحاد المصري لألعاب القوى معركته المدعومة من إعلام البلاد الرياضي المغذى من قبل الأزمة السياسية بين الدولتين، ليكون أغسطس 2015 موعد قرار لافت تمثل بشطب المدرب عبد الحميد خميس من سجلات الاتحاد، وذلك بتهمة “العمل لصالح قطر وتسهيل تجنيس اللاعبين المصريين.” امتد هذا قرار ليشمل شطب أربعة لاعبين آخرين وصفوا بالهاربين إلى قطر، وهم أشرف أمجد محمد رجب، وأحمد أمجد محمد رجب، وأحمد أحمد بدير أحمد، ومعاذ محمد صابر محمد.
بعيداً عن الصراعات العربية الحديثة، وفي ظل الاحتلال البرتغالي طويل الأمد لموزامبيق، والممتد ما بين 1505 إلى 1975، فإن الطرف المستعمر لم يكتف بالاستفادة من خيرات البلاد الطبيعية، بل تعدى ذلك إلى سرقة كافة المواهب الممكنة، أو وضع الجسور وخلق الظروف لتحقيق ذلك.
فبعد ثلاثة مواسم فقط قضاها في الدوري الموزامبيقي، اصطاد بنفيكا موهبة أوزيبيو. ولأن اللاعب لم يكن لديه خيار آخر غير قبول تمثيل البرتغال أو البقاء في بلاده المحتلة الغارقة آنذاك في الفقر لأبناء جلدته، وبدء ظهور بوادر حراك ثوري عسكري في ظل وصول الشيوعية إلى فكر فقراء موزامبيق، فقد وافق النمر الأسود، كما لقبوه، على تمثيل بلاد محتليه، فكان تجنيساً رياضياً أقرب للإكراه وإن لم يتحدث عنه أحد بهذا الشكل. أوزيبيو ليس الموزامبيقي الوحيد الذي شارك في تحقيق أفضل إنجاز في تاريخ البرتغال (المركز الثالث في كأس العالم 1966)، فهناك ماريو كولونا (تم اختياره ضمن التشكيلة المثالية لذلك المونديال) والظهير الأيسر هيلاريو كونسيشاو الذي كان أساسياً في البطولة.
هذه مجرد أمثلة قريبة من وعي القارىء العربي عن استخدام التجنيس الرياضي في بعض المعارك السياسية، ولو كان وجهها رياضياً، حيث ظهر جلياً في بعض المواقف أن هذا التجنيس لا يهدف إلى تحقيق نتائج في المضامير والملاعب، بل قد يتعداه إلى تحقيق بعض النجاحات في الصحف السياسية وفي وعي المواطن غير المتابع للرياضة. فكل أمريكي على سبيل المثال عرف آنذاك بانتصار بلاده على المعسكر الشرقي بقضية نادية، وإن لم يكن يعرف من هي، وكل مصري أو قطري انتبهوا لقضايا التجنيس في رياضات لا تهمهم ولا يشاهدونها، وكل موزامبيقي أثناء ثورته كان يشعر بالألم وهو يرى أبناء بلاده يحققون النجاح لعدوهم.
العولمة والفخر الوطني والنظرة الغربية
في عام 1999، ظهر سعود بن خالد، رئيس اللجنة الأولمبية القطرية آنذاك في برنامج تلفزيوني عل قناة الجزيرة، ليتحدث عن التجنيس الرياضي الذي تقوم به بلاده، حيث كان الموضوع في تلك الفترة جديداً على الساحة العربية.
في ذلك الحوار، كان سعد مقتنعاً تماماً بأن ما يتم طبيعي وعالمي، وموجز ما قاله “التجنيس الرياضي حق لكل دولة ما دام يتم بتراضي الطرفين، والقضية لا تختص بقطر فقط، بل تجدون هذا التجنيس في كل دول العالم وفي كل المجالات، فهناك من يجنسون الأطباء والعلماء والعمال المهرة، والرياضة مجال كأي مجال آخر.”
بعد ذلك وبأربعة عشر عاماً، كتب الصحفي المصري جمال هليل في صحيفة الجمهورية مقالاً حث فيه بلاده على التجنيس الرياضي، وجاء المقال بعنوان “التجنيس الرياضي… لغة عالمية،” وأقتبس من ذلك المقال خاتمته “التجنيس الآن أصبح لغة عالمية تلجأ لها كل الدول في العالم إلا مصر التي تعتبر الجنسية المصرية خطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه… لذلك تتقدم الدول الأخرى بفكرها… ونحن نتأخر في وقت نضبت عندنا مراكز التفريخ الرياضية وتحولت الأندية الكبيرة إلى استيراد اللاعبين من أفريقيا، فتاهت المنتخبات لأنها لا تجد الخامات البدنية الصالحة لتمثيل البلد.”
وفي بحث مشترك، نشر في موقع Sage Journals عام 2001 للباحثين اليابانيين ناوكي تشيبا وأوسامو إبيهارا وشينجي مورينو، أشاروا إلى ظهور مفهوم “رياضيون بلا حدود” عام 1993 في اليابان، وأعادوا ذلك بشكل مباشر إلى اختلاط بلادهم بنظام العولمة، حيث قالوا “لم يكن من الممكن تخيل قبول اليابانيين التجنيس الرياضي بسهولة، فهم أصحاب نزعة قوية تجاه الهوية الوطنية، لكن اختلاط كافة مستويات البلاد بالعولمة الحديثة، والنظر إلى الرياضة كصناعة ترفيه ساعد على قبول التجنيس في رياضات عديدة.”
أما الصحفي المجري توماس دوتزي فيقول عن التجربة المجرية في التجنيس الرياضي: “لقد تغير شكل الاقتصاد العالمي ووسائل الاتصال والتواصل، وهذا أثر على نحو ثوري على نظرة الناس إلى مفهوم الجنسية الرياضية، فقد باتت مثلها كالحصول على الجنسية لغايات أخرى، يحصل عليها من يستحق ذلك.” ويضيف “يعتبر المجريون النجاح الرياضي جزءاً من النجاح الوطني، خصوصاً فيما يتعلق بالرياضات الأساسية بالنسبة لهم مثل كرة الماء.”
كل ما سبق يجعلنا نفهم سهولة قبول اللاعبين للجنسية الرياضية، وسهولة منح الدول لها، فالمسألة باتت في وعيهم كاستقدام أي موظف، فالعولمة أضعفت كثيراً من هيبة الحدود، والنزعة الوطنية لم تعد مستخدمة بشكل كبير في الإعلام أو السياسة إلا في حدود المصلحة. لكن مع سهولة قبول الجنسية الرياضية، تظهر لدينا المشكلة الحقيقية مع الهوية الوطنية، لأن الرياضة ليست مجرد فائز وخاسر، بل جزء أساسي من الانتماء، كما أن كثيرين من الباحثين ينظرون إليها كجزء من الموروث الثقافي، وإلا لما كان شعور الإنسان بضرورة دعم بلاده عند مواجهة أي خصم كان، ولما أظهرت الدراسات تحسناً بمزاج البلد العام بعد أي نجاح رياضي.
دفع هذا المسؤولين إلى التورط بفضيحة هزت كرة القدم الفرنسية عام 2011، حيث تم الكشف عن قرارات داخل اللجنة الوطنية للعبة في البلاد تهدف للحد من نسبة اللاعبين من أصول أفريقية وعربية بما لا يتجاوز نسبة 30 %، كما تم الكشف عن وجود أوامر للمدرب لوران بلان ومن قبله ريمون دومينيك بالحد من لاعبي المنتخب الوطني من غير فرنسي الأصل، الأمر الذي انعكس بشكل صارخ في تشكيلة فرنسا لكأس العالم 2010، وهذا شمل أيضاً سياسة تدريب الناشئين في البلاد.
وفي إسبانيا، حرص المنتخب على جعل بعض اللاعبين أمثال منير الحدادي وبويان كركيتش يمثلونه، ثم ما إن توفر بديل بنفس المستوى على الأقل، حتى ذهبوا إليه لأنه إسباني أصيل. يحدث الأمر ذاته في إيطاليا، لكن دون أن يتم تسليط الضوء عليه.
نستطيع أن نقرأ أكثر في آراء الكتاب الأجانب في تجربة التجنيس الرياضي، وتبريرها من حيث العولمة وارتباط اللعبة بشكل الاقتصاد الحديث الذي لا يحمل جنسية. لكن عند النظر إلى التطبيق الحقيقي، فإننا نجد أن الدول ترى فيه جسراً للنجاح، وأن التعامل معه يتم في الغرب بحذر وبعض الأحيان بعنصرية حسب مفاهيمهم، وذلك حتى لا تتم خسارة الهوية الوطنية، أو خسارة الانتماء الوطني لرياضة ما. وهذا ما يحصل أيضاً مع الاقتصاد في بلدانهم، فرغم تحريره المطلق، فإن المسار الموضوع يحافظ على هويته الوطنية.
لا يمكننا الاكتفاء بالقول إن الرياضة باتت عابرة للحدود، وإن الجنسية لا تهم فيها، فما دام ابن البلد يشجع وطنه من باب الواجب وليس من باب الإعجاب، وما دامت النظرة إلى بلد ما تؤثر فيها النظرة إلى رياضته، وما دامت المنافسات جزءاً من الهيبة الوطنية، فإن العولمة قد تبرر التجنيس المحدود، لكنها لن تبرر التجنيس الطاغي قط، فحتى البلاد التي صدرت العولمة إلى الكوكب بأسره، ما زال نظام الهجرة إليها يعتمد إحصائيات رقمية دقيقة حتى لا تشوه هوية البلاد وثقافته.
بعبارة أخرى، ربما قبل الفرد بفكرة الجنسية الثانية من أجل التمثيل الرياضي في ظل العولمة، لكن الجماعة لم تتشرب بعد المبدأ جيداً، ولديها تحفظات وقلق، وهذا طبيعي في كل تغيير على شتى مجالات الحياة.
الوجه الإلزامي لظاهرة التجنيس الرياضي… إنقاذ جيل كامل!
هناك مساحة واسعة للنقاش بشأن التجنيس الرياضي، إيجابياته وسلبياته، لكن هناك حالة معينة، أشعر أن التجنيس فيها يصبح لزاماً، لكي يتم إنقاذ جيل كامل. تخيل مثلاً منتخب كرة قدم، يملك عدة لاعبين رائعين، لكنه يعاني من حراسة المرمى، فكلما سجل هدفاً تلقى هدفين، وحاول كثيراً تجربة حراس بلاده، لكن بلا فائدة. ألا يصبح منطقياً حينها تجنيس لاعب في ذلك المركز كي لا يضيع جهد 10 آخرين؟ ولعل منتخب البرازيل في ثمانينيات القرن الماضي خير مثال على ذلك، حيث كانت أروع كرة بلا حارس مرمى.
كانت التجربة الأردنية مع كرة السلة مهمة، فبعد أن امتلك المنتخب عدداً من المواهب المميزة سواء تحت السلة أو الأجنحة، ظهرت الحاجة لما يعرف بعالم هذه اللعبة بالـ “Scorer،” أي الهداف الذي يحمل الفريق على عاتقه، وهو ما يميز بعض الفرق عن الأخرى. كاد جيل ذهبي لسلة النشامى أن يذهب هباء، لولا قرار تجنيس راشيم في عام 2007، ليذهب المنتخب بعيداً معه، ويخوض كأس العالم لكرة السلة، ويفوز بفضية آسيا 2011 وبفارق نصف سلة فقط أمام الصين في المباراة النهائية، وبرونزيتها عام 2009، وتعيش السلة الوطنية الأردنية فترة مميزة.
مفهوم القطعة الناقصة إن جاز التعبير، هو الحالة التي تجعل التجنيس الرياضي في الرياضات الجماعية مشروعاً، بل قد يكون واجباً، فمن الظلم لعشرة لاعبين أن يضيع مجهودهم بسبب لاعب واحد، بل من الظلم في حق ذلك اللاعب الوطني الأخير تحميله مسؤولية كل شيء، فهذه هي حدود قدراته!
ما سبق لا يعني أن يتحول المبدأ إلى قطع ناقصة بدلاً من قطعة واحدة، لأن ذلك سيجعل كل شيء يخرج عن هذا المفهوم، ويعيدنا إلى طريقة “البحث عن الطريق الأسهل للنجاح.”
بعد مونديال اليد والنجاح القطري… وجهة نظر رسمية حول النتائج
في مطلع عام 2015، تصدر مصطلح التجنيس الرياضي العناوين الصحفية من جديد، لكن هذه المرة من بوابة كرة اليد، حيث استضافت قطر كأس العالم لهذه الرياضة، وحلقت بعيداً إلى المباراة النهائية، عقب تحقيق نتائج لافتة بالانتصار على النمسا وألمانيا وبولندا في الأدوار الإقصائية، قبل الخسارة أمام المنتخب الفرنسي بنتيجة 22-25 في المباراة النهائية.
بند في القانون الدولي استغله الاتحاد القطري لكرة اليد بكل ذكاء، فقام بتجنيس أسماء عديدة بخبرة كبيرة، ليكون هناك تشكيل من أصحاب الخبرة الدولية الكبيرة، وأسماء متنوعة من حيث القدرات، ساعدت قطر لتكون أول دولة غير أوروبية تخوض المباراة النهائية.
خلال البطولة، كان هناك شد وجذب؛ منتقدون ومعارضون يقابلهم مؤيدون ومبررون. ضم منتخب قطر في صفوفه 11 جنسية، في حين كان واضحاً تجاهل الجهات الرسمية الدخول في تلك الحرب الجدلية الإعلامية، وتمسكها بموقفها الذي له أهدافه بالتأكيد.
قبل المباراة النهائية للبطولة، انتقدت صحيفة “لوموند” الفرنسية على سبيل المثال ما فعلته قطر، ووصل بأحد كتابها الأمر للقول “فرنسا تواجه منتخب مرتزقة يقودهم مدرب إسباني،” في حين كان موقف مواطنتها صحيفة لكسبرس سبورتس أقوى بقولها “لو فازت قطر بالمونديال فهذه نهاية التنافس الرياضي العادل.” وفي تقرير نشره موقع سي إن إن العربية في تاريخ الثاني من شباط/فبراير من عام 2015، كانت هناك إشارة لما يمكن وصفه بالمعجزة القطرية في ذلك المونديال، فوضع 11 جنسية مختلفة بلغات غير متشابهة في فريق واحد، وصنع منتخب مقاتل أكثر من المنتخبات الأصيلة، كلها أمور تدل على نجاح الإدارة القطرية وكذلك نجاح المدرب الإسباني فاليرو ريفيرا.
وبعد 10 أشهر من البطولة، نعيد فتح هذا الملف لنتعرف على نتائجه ودوافعه، وبعد أن حاولنا الاتصال بأحمد الشعبي رئيس الاتحاد القطري لكرة اليد عدة مرات خلال مدة شهر كامل، ولم نستطع التوصل إلى حوار معه، كان لا بد لنا من اللجوء لما قاله في الصحف القطرية.
فعقب نهاية كأس العالم، خرج الشعبي بتصريحات مهمة قائلاً فيها “لدينا هدفان؛ استراتيجي وقصير الأمد، أما الأخير فيتعلق بالتأهل للأولمبياد، في حين هدفنا طويل الأمد الاهتمام بالبراعم والناشئين.” وفي الثامن من سبتمبر 2015، نشرت وكالة الأنباء القطرية على لسان رئيس اتحاد كرة اليد قوله “الاتحاد القطري سيعلن قريبا عن إنشاء أكاديمية متخصصة في كرة اليد القطرية، وهناك تنسيق مع وزارة الشباب والرياضة، وسيكون ذلك بالتعاون مع مؤسسة أسباير زون.” حتى لحظة تلك التصريحات المتعلقة بأكاديمية لتطوير المواهب، كان ما فعلته قطر في مونديال اليد مجرد شراء نجاح، وتجربة استعراضية في ظل استضافة البطولة، لكن التصريح المذكور أعلاه قد يكون نقطة تحول فيما حصل، وفي وجهة نظر الناس به.
تحدثنا عن انتقادات صحفية عالمية، لكن لو طبق الشعبي ما يقوله، وتم استخدام نجاح كرة اليد بلفت انتباه الأطفال، الذين لا تؤثر بقناعاتهم مسألة التجنيس بقدر ما تؤثر بهم سماع وصول منتخب بلادهم إلى المباراة النهائية، واستطاع العنابي تأهيل جيل قوي من المواطنين أو من المقيمين منذ الصغر على أرض الدولة، فإن تلك التجربة سيتم تشبيهها بتجربة تجنيس اليابان للبرازيليين في بداية اهتمامها بكرة القدم.
الجميع يحب الفوز… تجارب عربية تؤكد قبول الجميع التجنيس
قد يجادل البعض بشأن التجنيس الرياضي وموقفه منه، لكن ما إن تمس المسألة مصالحه ومصالح منتخب بلاده، حتى ينظر إليها من منظور مختلف، يتعلق بالنتائج والمصالح، خصوصاً في ظل العولمة التي غيرت كثيراً من وجهة نظر الأغلبية تجاه قدسية الجنسية والقومية.
ما تزال التجربة اللبنانية في أمم آسيا 2000 عالقة في ذاكرة أبناء بلاد الأرز، فمع استضافة البلد العربي الخارج من حروب مدمرة وطويلة البطولة القارية، كان لا بد من تدعيم صفوفه ببعض الأسماء، فتم جلب عدة أجانب، ومنحهم الجنسية. وتؤكد مصادر أن أولئك تقاضوا مبالغ مالية مقابل ذلك، ليضمنوا أداء مشرفاً.
يقول اللاعب الدولي السابق أحمد الشوم: “لم يعترض الشعب ولا اللاعبون في البداية على تلك الخطوة، فقد تفاءل بها الجميع.” ويضيف في تصريحه لنا: “بدأت المشكلة بعد أن شاهد الناس أولئك اللاعبين في أرض الملعب، حيث كان المستوى سيئاً، وبالتالي كان الانتقاد موجهاً إليهم وليس إلى مبدأ التجنيس.”
أحمد من اللاعبين الذين انضموا للمنتخب اللبناني مباشرة بعد إيقاف تجربة التجنيس في كرة القدم، وكشف لنا أن بعض اللاعبين الأساسيين في الجيل السابق له اعترضوا على خطوة جلب لاعبين من الخارج، لأنها أخذت فرصهم باللعب. إلا أنه استدرك قائلاً: “لكن الأساس في هذا الاعتراض كان مستوى المجنسين.”
من جهته، أوضح لنا الإعلامي الرياضي رواد مزهر، أحد أكثر المطلعين على هذا النوع من التجارب في لبنان، خصوصية حالة بلاده بقوله: “هناك حالة خاصة في لبنان يجب الانتباه إليها. ليس كل أجنبي يمثل البلاد مجنس، بل كثيرون منهم استعادوا الجنسية، لأنه كما تعلم هناك ملايين من اللاتينيين خصوصاً ينحدرون من أصول لبنانية.”
وأضاف: “لكن في المجمل، لم ألمس في لبنان اعتراضاً على التجنيس الرياضي، فالجميع يرى أننا بلاد لا نملك القدرات والموارد الكافية دوماً للنجاح، وبالتالي لا بد من التصرف بما يسمح القانون به في ظل هذه الظروف.”
وأكد لنا رواد أن معظم الجنسيات التي حصل عليها الرياضيون المجنسون كانت تحت ما يسمى “جواز المهمات،” وبالتالي يمكن تصنيفها أكثر تحت مفهوم “جنسية مؤقتة،” باستثناء من أثبت أصوله اللبنانية، فأولئك حصلوا على جنسية كاملة، وهناك استثناء آخر تعلق بالأمريكي فوجيل، عملاق كرة السلة الذي نال الجنسية.
ليس بعيداً عن لبنان، نذهب إلى تجربة التجنيس الرياضي في الأردن، وتحديداً للحديث عن ضم النجم الأمريكي راشيم رايت. حيث أخذ انضمام الموصوف حالياً بالإعلام الأردني بطيب الذكر منحى سلبياً في البداية، فانتقد كثيرون تلك الخطوة قبل أن يغيروا رأيهم.
وحدثنا الإعلامي الرياضي المختص بكرة السلة محمد ملص عن هذه المسألة قائلاً: “في البداية، انقسم المجتمع الأردني حول راشيم، وتمت مناقشة قضيته تحت قبة البرلمان، لكن ما إن تألق وأظهر قدراته المميزة حتى تلاشى الاختلاف.”
وأضاف ملص: “لم يحصل راشيم رايت على جنسية كاملة، بل جواز سفر مهمات فقط ولعب في الدوري الأردني دوماً كمحترف، لكن في الخارج شارك كلاعب محلي مع المنتخب والأندية التي يمثلها.”
ومع تألق عمر السومة في الدوري السعودي، بدأ الحديث كثيراً عن تجنيسه مع المنتخب الأخضر، في ظل ضغط إعلامي نحو تلك المسألة، وصلت إلى أن برنامج مثل أكشن يا دوري تحدث في ملف خاص عن افتقار المنتخب لمهاجم يوصله إلى كأس العالم، فيما اعتبره كثير من المتابعين دعوة ضمنية إلى العمل على اصطياد موهبة السومة.
لعل الفوضى والانقسامات السياسية التي تعيشها سوريا، خلال فترة تألق عمر، أثرت على انضمامه بشكل طبيعي إلى منتخب بلاده، مما فتح الباب على مصراعيه لكلام متكرر عن انضمامه للمنتخب السعودي، وفي تلك اللحظة ظهر ترحيباً واضحاً في شبكات التواصل الاجتماعي من عموم الجماهير بتلك الخطوة.
وقالت لنا مصادر مقربة من مركز صنع القرار في الاتحاد السعودي لكرة القدم في حوار قصير أجريناه لصالح هذا الملف: “هناك شبه إجماع شعبي على المطالبة بتجنيس السومة، وذلك لمساعدة المنتخب على تحقيق النجاح المفقود مؤخراً، لكن الخبراء ورؤساء الأندية متخوفون من تلك الخطوة لأنها ستفتح الباب أمام ظاهرة قد تخلق جدلاً أبدياً مع تألق كل لاعب، وقد تؤثر على التخطيط السليم للاستفادة من المواهب المحلية والاكتفاء بالتجنيس مستقبلاً.”
أشاد الإسبان بماركوس سينا في كأس أمم أوروبا 2008، وحاول الفرنسيون تجنيس هيجواين قبل استدعائه لمنتخب الأرجنتين، في حين سرًع الألمان عملية ضم عدة لاعبين إلى صفوفهم في الفترات الصعبة، خصوصاً ما بعد مونديال 1998، ولم تكن هناك انتقادات إلا في حال فشلت الخطوة بتحقيق نتائج، لكن عندما تأتي النتائج المرضية، يسود الصمت بين الجميع.
لا أحد منا لا يحب الفوز، وما دامت خطوة هذا الفوز قانونية ولا تخالف التعليمات واللوائح، فإن أغلب من تسنح له الفرصة سيحاول الاستفادة منها، فهذه فطرة بشرية… حب الفوز ولو انتقد ما يفعله الآخرون!
جواز المهمات … وجه التجنيس الرياضي المؤلم في منطقتنا
جواز سفر المهمات، هو التسمية الرائجة لمفهوم جواز السفر المؤقت في الإعلام الرياضي. إنه وسيلة لتمكين اللاعب من تمثيل فريق بلد معين دون حصوله على جنسية حقيقية، وما إن ينتهي تمثيله، يتم سحب ذلك الجواز منه، ويصبح أجنبياً بالنسبة لذلك البلد. وعقب اتصالات قمنا بها مع عدد من الاتحادات الرياضية العربية التي جنست لاعبين في آخر خمس سنوات، وجدنا أن معظم الأجانب الذين يمثلون منتخبات عربية يحملون جواز سفر مهمات، باستثناء نسبة قليلة فقط.
يحول جواز المهمات تمثيل اللاعب للقميص الوطني إلى عقد احتراف، فهو يلعب من أجل المال أو من أجل نيل فرصة أفضل للفوز وحصد المجد الشخصي، ثم ما إن ينتهي من تلك الصفقة، قد لا يستطيع العودة إلى زيارة البلاد التي حمل قميصها إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول.
لا تحمل التجارب الأجنبية في التجنيس الرياضي هذا الوجه، فهم يمنحون الجنسية الكاملة بشكل قانوني، فدائماً ما تجد في سيرتهم الذاتية جملة “Naturalized as citizen”، أي تم تجنيسه كمواطن، وبالتالي ينال حقوق المواطنة الكاملة، ويلتزم بالقيام بواجباته، كما يمكنه الاستمرار بالإقامة في البلاد التي دافع عن قميصها بعد انتهاء تجربته.
ليست كافة تجارب التجنيس الرياضي في الوطن العربي تقوم على مبدأ الصفقة هذا، لكن معظمها تكون على هذا النحو، ومنها ما يبدأ هكذا، ثم في حال تألق اللاعب ومن باب الشعور بالامتنان، يتم تحويل جوازه المؤقت إلى جنسية كاملة.
ومن الواضح أن فكرة الجواز المؤقت انتقلت إلى الهند نظراً لكثرة الاختلاط فيما بيننا وبينهم، ففي السابع عشر من شهر يوليو من عام 2015، نشرت صحيفة إنديان اكسبرس تصريحاً لمدرب المنتخب ستيفن كونستانتين جاء فيه: “أتحدث عن منح اللاعبين من أصول هندية جواز سفر مؤقت، لا أتحدث عن جنسية كاملة، ومع نهاية مسيرتهم مع المنتخب لا يحق لهم استخدام الجواز.”
وبالنظر إلى قانون جواز السفر المؤقت في كندا على سبيل المثال، نجده ينص على عدم تجديده تحت أي ظرف من الظروف بعد عام واحد، وأن الهدف منه فقط التعامل مع الحالات الطارئة فقط. يختلف هذا عن استعمالنا في المنطقة مثل ذلك الجواز، فجواز سفر كندا المؤقت لا يمنح لأنك تمثل البلاد رياضياً دون امتلاك جنسيتها، إلا لو كان ذلك طريقاً لحصولك على حقوق المواطنة الكاملة.
ليس فقط دول الخليج العربي من استعملت الجواز المؤقت، بل هي الحالة نفسها التي انطبقت على ما جرى في الأردن ولبنان وحتى في بعض الدول العربية الأفريقية. مشكلة هذه الجوازات أنها تخرج مفهوم تمثيل المنتخب من كونه واجب وشرف، إلى مهنة وعقد احتراف، الأمر الذي قد يتسلل إلى أبناء الوطن ذاته، بحيث يبدأ تمثيلهم لقميص بلادهم قائماً على المصالح، من باب المساواة مع معاملة الأجنبي.
ويفتح الجواز المؤقت الباب أمام بعض اللاعبين لمحاولة الانقلاب على القميص الذي مثلوه في الماضي، مما يفتعل بعض الصراعات وتبادل الاتهامات، ولعل مثال لاعب كرة السلة الأردني محمد أبو الهيجا الذي مثل دولة قطر في الماضي، ثم سرب عبر مصادر إعلامية أردنية أنه لم يكن يعرف أن ذلك سيحرمه من المنتخب الأردني، واتخذ من مسألة “الجواز المؤقت” حجة لتبرير موقفه ومنتقداً ما تم تصويره استغلالاً تعرض له محمد.
ومن مخاطر هذا الجواز المؤقت أنه إذا كانت قوانين لعبة ما تسمح بتغيير أكثر من فريق، فإنها ستحول بعض اللاعبين إلى رحالة، يمثلون اليوم هذا المنتخب ويقفون أمام علمه، ثم في اليوم التالي يرتدون لوناً آخر وتحت علم آخر، مما قد يسيء بشكل مباشر إلى الهوية الوطنية الرياضية.
لدى أصحاب القرار وجهة نظر تبرر هذا النوع من الجوازات، فكثيراً ما تم ترديد كلمة “الأمن الديموغرافي الوطني،” وأن فتح التجنيس من جهة الرياضة، قد يدفع إلى فتح التجنيس من أبواب أخرى فيها كفاءات أجنبية تحتاجها البلاد، مما يزيد من نسبة المواطنين غير الأصيلين بشكل يؤدي إلى اختلال التوازن. ورغم قدرتي على فهم وتفهم هذا التبرير، فإنني ما زلت أرى التمثيل بجواز مؤقت خطر على مستقبل تعامل ابن البلاد الأصلي مع قميصه الوطني.
التجنيس في الرياضات الفردية… ما فائدته؟
“أستطيع فهم أن التجنيس في الرياضات الجماعية ليساعد اللاعبين الآخرين على تحقيق النتائج، لكن ما الفائدة من التجنيس في الرياضات الفردية؟” هكذا علق أحد هم على الفيسبوك، عندما كنا نناقش مفهوم التجنيس الرياضي.
في بعض دول الخليج العربي، حيث تنشط حركة التجنيس في الرياضات الفردية، استطعت الحصول على توضيح مهم لوجهة النظر بخصوص التجنيس في هذا المجال، فتواصلت مع مصدر مسؤول في إحدى اللجان الرياضية الأولمبية، لكنني حصلت على ذلك الكلام منه خلال حوار شخصي وليس لغايات النشر، لذلك أعتذر عن نشر اسمه، لكن ذلك النقاش سيكون منارة ما يأتي من أفكار.
“نحن دول تملك القدرات والأكاديميات، لكننا لا نملك العدد البشري المهتم بالرياضات الفردية، حيث أن مجتمعنا كروي خالص وكثافتنا السكانية الأصيلة قليلة، وحتى تجذب الانتباه للعبة ما، فإن الإنجازات هي طريقك إلى ذلك”
خلق ضجة، أو كما يسميها الناطقون باللغة الإنجليزية “Buzz،” والمسألة لا تتعلق بعدد ميداليات وتسجيل إنجازات وهمية كما يعتقد كثيرون في الوهلة الأولى، بل الهدف الأساسي من هذا النوع من التجنيس الرياضي الفردي، موجه للتخطيط من أجل المستقبل، ولتوسيع قاعدة المهتمين بهذه الرياضة، وهو ما فعلته اليابان في بعض الرياضات لديها مثل كرة القدم في الماضي.
ومن الفوائد المهمة في تجنيس لاعبي الرياضات الفردية جلب الخبرات، سواء كمتسابق مميز يحتك بالآخرين، أو من حيث المدربين الذين يتعامل معهم، ومن ثم يبدأ اختلاطه باللاعبين المحليين، الأمر الذي ينجم عنه نقل المعرفة إلى الموجودين من رياضيين وإداريين، ناهيك عن بعثه رسالة للمهتمين من المدربين واللاعبين في تلك الرياضة حول العالم بمحاولة التواصل مع الاتحاد المعني مستقبلاً لعرض خدماتهم، وبالتالي الاستفادة من خبراتهم ومعرفتهم.
وبالنسبة للحالة القطرية التي عادة ما يرتبط اسم التجنيس الرياضي بها في الإعلام العربي، فإن مخططهم مع الرياضات الفردية كان يهدف لوضع اسم البلاد في خارطة الأحداث الرياضية، تمهيداً لمحاولة استضافة أحداث عالمية لا تقتصر فقط على كرة القدم، فالمتابع الرياضي العادي يشاهد جدول ترتيب الميداليات أو الإنجازات، ولا يدخل عادة في التفاصيل، لذلك يصبح الاسم رياضياً مقبولاً له، وبعدها تصبح الاستضافة كذلك منطقية.
إذاً، وبعيداً عن الكلام المتسرع بأن المسألة مجرد تسجيل إنجازات وهمية يتم شراؤها بالأموال فقط، فإن النظر في عمق التطبيق، في كثير من الدول في المنطقة العربية بالتحديد، قد أظهر أهدافاً واضحة وإن لم يتم تحقيقها دائماً، أو الالتزام بها.
ما سبق لا ينفي وجود بعض التجنيس العشوائي من قبل بعض الاتحادات لتسجيل نجاحات وهمية وضمان استمرار الدعم الحكومي لها، فإن تشجيع الجيل الناشئ على الاهتمام برياضة غير رائجة، أو جلب الخبرات، أو تحقيق مكاسب تنموية أخرى تحتاج في إحدى مراحلها إلى نجاحات ومشاركات رياضية ولو كانت “مفبركة”.
اختلاف قوانين التجنيس من رياضة إلى أخرى… نظرة عن قرب
تختلف قوانين التجنيس الرياضي من لعبة إلى أخرى، حيث تساهم عناصر عديدة في صقل هذه القوانين وتغييرها مع الزمن، حيث نجد بعض الرياضات المتساهلة في المسألة، وبعضها يكون صارماً لدرجة استحالة التجنيس الرياضي فيه.
مع ازدياد أهمية كرة القدم على المستوى العالمي، وطغيانها بشكل واضح على الرياضات الجماعية الأخرى، تم التشديد بشكل كبير على قوانين التجنيس الرياضي فيها، فبات لزاماً إما إثبات أصول اللاعب للبلد التي يمثلها، أو أن عليه الإقامة لخمس سنوات في بلاد الجنسية الجديدة بعد بلوغه ثمانية عشر سنة.
كما تمنع كرة القدم مشاركة اللاعب بقميص بلدين في مباريات تنافسية رسمية غير ودية، وذلك للحفاظ على هوية القميص الوطنية، وعدم جعلها مجرد قضية مؤقتة تتغير حسب الظروف والمصالح.
وتبدو الرياضات الفردية والرياضات الأقل شعبية أكثر تساهلاً في هذا الأمر، حيث يكتفي الاتحاد الدولي للسباحة بطلب إقامة السباح لمدة 12 شهراً في البلد الذي يريد تمثيله، إضافة لعدم تمثيله بلاد الجنسية السابقة لنفس المدة، أي أنه خلال سنة واحدة فقط من التوقف الدولي، يستطيع السباح العودة للعب تحت راية مختلفة، وهو تقريباً نفس القانون المطبق في كرة اليد.
مثال آخر يمكن إيجاده في الاتحاد الدولي للفروسية، حيث أن المطلوب برمته هو تقديم أوراق تثبت حصول الفارس على الجنسية، مع إرفاق ورقة يبرر فيها طلبه تغيير الجنسية قبل ثلاثين يوماً من المسابقة التي يريد المشاركة فيها بجنسية جديدة.
أما الألعاب الأولمبية، ولأن الهدف منها ليس الفوز بقدر ما هو توحيد العالم في دائرة الرياضة والتنافس الشريف، نجد قانوناً يسمى “فترة الانتظار،” حيث ينص على عدم قدرة أي رياضي أولمبي تمثيل بلاد يحصل على جنسيتها، إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات على آخر مرة مثل فيها بلاده السابقة تحت إشراف اللجنة الأولمبية، سواء أكان ذلك في البطولة المجمعة أو في جميع ما يتفرع منها من تصفيات أولمبية، إلا في حال حصول الرياضي على ورقة عدم ممانعة من بلده السابق، فعندها يمكن تقليص فترة انتظاره.
سنجد في كرة القدم والرياضات التي تدر مدخولاً عالياً على مستوى الأندية أن قوانين تغيير الجنسية أكثر صرامة، لأن مصدر عيش اللاعبين فيها لا يتعلق بالكرة الدولية، بل بالمسيرة الاحترافية. ونلاحظ في الرياضات التي تعد فيها المشاركات الدولية مصدر الدخل الأساسي مساحة كافية للمحافظة على مصلحة الرياضي نفسه، وعدم إغلاق الطرق في وجهه بسبب جنسيته التي مثلها.
وينعكس مدى استخدام الدول لثغرات قوانين التجنيس الرياضي على تغييرها، فمثلاً كانت قوانين كرة الطاولة متساهلة، مما حول الرياضة إلى صينية بشكل كبير حول العالم لكن مع اختلاف الدول التي يمثلونها، مما دفع اتحاد كرة الطاولة الدولي لتشديد القانون على مراحل خلال الفترة ما بين 2004-2008، لتصل فترة الانتظار فيها إلى سبع سنوات، كما تم وضع قانون يشبه قانون منع تمثيل دولتين بشكل رسمي، والموجود في كرة القدم، في حال بلوغ اللاعب سن الحادية والعشرين من عمره.
يمكننا تلخيص ما سبق بالقول إن قوانين التجنيس في الرياضات المختلفة تتفق على مصلحة اللاعب مع ضمان عدم تحوله إلى جنسية للإيجار كي لا تفقد الرياضة هويتها الوطنية. كما أن هناك عديد القوانين المنظمة لعملية تغيير الجنسية جاءت كردة فعل على مبالغة بعض الدول بالتجنيس كما حصل في كرة القدم وكرة الطاولة، ليتم ضمان استثمار الدول المهتمة برياضة معينة على نحو مستمر في تخريج مواهب جديدة، الأمر الذي يساعد على تطور اللعبة باستمرار.
كيف يصبح التجنيس مفيداً؟
لعل قارئ هذا الموضوع يجد نفسه أمام حقيقة أن التجنيس الرياضي بات واقعاً في زماننا، وأن التعامل معه يتم بقبوله، ثم محاولة توظيفه لما يخدم المستقبل الرياضي، ويقلل من الاتكال على التجنيس، لأنه كما نعرف فإن الرياضة تؤثر بشكل مباشر على الهوية الوطنية حسب غالبية الدراسات.
وفي مقال حمل عنوان “التجنيس ليس حلاً” المنشور في 24/ ديسمبر/ 2011، قال الكاتب السعودي محمد الشيخ في صحيفة الرياض: “التجنيس وإن كان مطلوباً، ليس على المستوى الرياضي فقط، بل حتى على المستوى الإنساني والتنموي في كافة جوانبه؛ لكنه لن يكون حلاً ما لم تكن هناك خطة ناجعة للاستفادة منه بالشكل الصحيح الذي يعود على الوطن بالنفع من جميع أوجهه.”
وأضاف الشيخ في حديثه عن التجربة السعودية، على سبيل المثال، بأن المملكة لا ينقصها الزاد البشري بسبب عددها السكاني الكبير، على العكس من الجار القطري، كاشفاً عن وجهة نظره بضرورة الاستثمار في العنصر الشبابي ووجود خطط رياضية مدروسة وهادفة.
ويتساءل أحدهم قائلاً: “يتم إنفاق الكثير من الأموال لإقناع بعض الرياضيين بقبول الجنسية المؤقتة في عالمنا العربي، ثم يتم صرف الأموال عليهم في التدريبات من أجل مساعدتهم على النجاح. أليس من الأفضل توظيف هذه الأموال في مراكز تدريب وأكاديميات وتكثيف عمليات كشف المواهب بين الصغار والشباب؟”
وعندما بدأ نادي جوانزو مشروع جلب النجوم إلى الصين، كان هناك لقاء مطول مع رئيس النادي آنذاك ليويونجزو، حيث أشار في تصريحه إلى أن ما يهمه أكثر هو جلب المدربين والخبراء والمشرفين في الأكاديميات على أن يجلب نجوماً بأسماء كبيرة، لذلك تم التعاقد مع مدرب مثل مارتشيلو ليبي مفضلاً إياه على أن يجلب نجماً مشارفاً على الاعتزال.
ولأن التجنيس الرياضي بات حقيقة، فلعل الأولى أن يكون تجنساً طويل الأمد من حيث فائدته، أي إن تم توظيف بطل لخدمة القميص الوطني، ثم يبقى هذا البطل مستقبلاً ليكون عضواً فاعلاً في اتحاد اللعبة أو ما ينبثق عنه من أندية وأكاديميات. هكذا تبقى الخبرة والقدرات في البلاد، ولا تكون المسألة مثل رحلة تسوق قصيرة، ما إن نستهلك ما اشتريناه حتى اضطرنا للعودة إلى التسوق من جديد.
قابلت في الزرقاء – إحدى المدن الأردنية – مثالاً لافتا، وذلك بوجود مدرب أردني عاش لسنوات في ألمانيا ومتخصص برياضة الملاكمة. استطاع هذا الرجل، رغم تدني ما يحصل عليه من أجور تدريب ومن دون دعم حقيقي يلقاه، أن يقنع عدداً كبيراً من الناشئين باللعبة، ولأنه يعرف كيف يجذبهم إلى هذا الفن النبيل وتطبيق قواعده، فقد استطاع خلق حراك ملموس وغير متوقع في رياضة الملاكمة، مع أن التنسيق المباشر بينه وبين اتحاد اللعبة بخصوص نشرها لم يكن له وجود.
ونسمع كثيراً أن الرياضة باتت اقتصاداً، ونعرف كذلك أن الاقتصاد في العصر الحديث يرتكز على المعرفة وهو ما يشار إليه بالقول “اقتصاد المعرفة،” لذلك فإن أي نموذج رياضي ناجح مستدام لا يقوم فقط على الموهبة، بل يقوم على المعرفة أيضاً. من هنا يمكنني ختم هذا الموضوع بالقول: “إن التجنيس الرياضي واقع يمكن أن يكون مفيداً في الحاضر والمستقبل، شريطة أن يتم توظيفه لخلق خبرات والحفاظ عليها بعد ذلك في المجتمع لإخراج مواهب محلية، لأن هذا ما يضمن استدامة المواهب وإقناعها بالانتماء إلى رياضة معينة والنجاح فيها مستقبلاً.”
دوافع الأفراد لقبول جنسية أخرى
يقول كثيرون: “المال هو الدافع الرئيسي لهؤلاء الرياضيين الذين يغيرون جوازات سفرهم.” في ذلك أغلوطة تعميم متسرع، فالدوافع التي تقف خلف قبول رياضي تمثيل دولة لا ينتمي إليها فعلاً، كثيرة ويجب الوقوف عندها، وليست مالية فقط.
فيما يلي نستعرض أهم هذه الدوافع حسب تحليل ما جرى مع العديد من الرياضيين حول العالم:
– أن تكون دولته الأصلية لا تهتم بالرياضة التي يمارسها، وهذا يظهر كثيراً في الرياضات الفردية في دول العالم الثالث، إذ لا يتم الاستثمار بالمواهب والإمكانيات ضعيفة، فيكون الانضمام تحت راية دولة أخرى تعطيه فرصة الفوز أمراً منطقياً.
– أن تملك دولته الأصلية مخزوناً هائلاً من المواهب، يجعل من الاستحالة عليه تمثيل منتخب بلاده، وهذا ما حدث مع عدد من لاعبي كرة القدم البرازيليين ولاعبي كرة السلة الأمريكيين حول العالم.
– أن تخدم الجنسية الجديدة مسيرته كبطل رياضي بشكل أفضل، إما من خلال تسهيل مشاركته في الأندية المحترفة، وهذا ينطبق على كثير من اللاعبين الذين قبلوا جنسيات أوروبية في كرة القدم وكرة السلة، أو من خلال توفير الإمكانيات والمرافق والتغطية الإعلامية المفيدة له.
– الجانب المالي، والذي لا يمكن إنكاره، خصوصاً عندما يتم تجنيس بطل جاهز لحصد النتائج، حيث تصبح المسألة عقداً احترافياً بحتاً.
– يريد أن يبني حياته الشخصية بعيداً عن بلاده، أي إنه مهاجر وخبرته هي حرفته الرياضية، وبوابته لتحقيق ذلك الاستفادة من مهنته، تماماً كما يفعل أي مهاجر في هذا العالم.
ويجب ربط هذه الدوافع كلها بما قدمناه في تاريخ التجنيس الرياضي عن انخفاض قوة تأثير الهوية الوطنية في زمن العولمة، حيث أن تمثيل بلد آخر كان في الماضي مسألة خيانة، والآن باتت مسألة وجهة نظر، وفي أقصى حالاتها “عدم وفاء.”
علم النفس والتجنيس… هل يفخر المجنس بإنجازه؟
من الجوانب المنسية إعلامياً عند الحديث عن التجنيس الرياضي، جانب علم النفس. يقتصر الحديث عادة على النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والرياضية والأخلاقية، لذلك ارتأينا أن نتحدث في إحدى أبواب هذا الملف عن هذا الجانب.
ريم أبو الليل، صحفية رياضية مختصة، ساعدها نشاطها الكبير في منطقة الخليج العربي على لقاء العديد من الرياضيين المجنسين، والذين يلعبون تحت علم بلاد في المنطقة، وقد وافقت على مشاركتنا بعض ملاحظاتها عن تلك التجارب.
تقول ريم: “انتماء الرياضي المجنس إلى البلد الذي يمثله ونوعية هذا الانتماء يعتمدان على طريقة التعامل معه، فلو تم ذلك على أساس أنه محترف ومصلحة متبادلة، سينظر إلى الأمور على هذا النحو، ولو تم التعامل معه كجزء من شخصية الرياضة الوطنية وتم دمجه في ذلك المجال، فسيشعر عندها بالانتماء إلى القميص الذي يرتديه بعيداً عن أية مصالح أخرى.”
وتضيف عن قدرة هؤلاء المجنسين على الاندماج مع من حولهم كفريق: “يخلق الاختلاف الاجتماعي والاقتصادي بطريقة نشأة هؤلاء فرقاً، فمن الصعب على من نشأ في ظروف فقر في بلاد من قارة أفريقيا على سبيل المثال أن يفكر ويرى الحياة بمنظور من نشأ في مناطق ذات رفاه اجتماعي مثل الخليج العربي.”
تؤدي هذه الفروق الاجتماعية، وفقاً لريم، إلى اختلافات واضحة في الجدية بالتعامل مع التدريبات ومع الفوز والخسارة. فعادة ما يكون الناشىء في ظروف صعبة أكثر تعطشاً للنجاح، وأكثر خوفاً من الخطأ. ولفتت ريم الانتباه أيضاً إلى حقيقة اختلاف المستوى وتأثيره على انصهار المجنسين في فريق واحد بقولها: “لو كان فارق المستوى كبيراً، سيكون من الصعب على هؤلاء المجنسين الاندماج والتدريب مع من هم أقل مستوى منهم، وهذا من أهم العوائق في دمجهم ضمن بوتقة واحدة مع المواطنين.”
بكى العديد من الرياضيين المجنسين فرحاً عند الفوز، أو انهاروا على الأرض عند الخسارة، بغض النظر عن نوعية تجنيسهم ودوافعها الحقيقية. يعود هذا إلى حقيقة يجب عدم نسيانها: “هذا الرياضي بذل جهداً في التدريبات، وهو فرد يريد الفوز، وفي لحظات التنافس لا يفكر بلون القميص الذي يرتديه، لأن أولويته هي الفوز على المستوى الشخصي ثم التفكير بالمستوى الجماعي.”
ولعل مثال نجم كرة السلة الأردني السابق ناصر بشناق هو أكبر دليل على الكلام السابق، فقد احتفل يوماً ما بالقميص الكويتي بعد الانتصار على الأردن، ثم احتفل بقميص الأردن مرات عديدة، وكان انتماؤه للفريقين متناهياً، فالرياضة وأثناء المنافسة تتسامى على الحدود.
يقول رامي جرادات المختص بعلم النفس عن هذه المسألة: “الفارق الأساسي من ناحية علم النفس بين المواطن الذي يمثل بلده والمجنس هو الدافع الإضافي، وغير ذلك فجميع الأسوياء نفسياً يقاتلون من أجل الفوز والنجاح على المستوى الشخصي. لكن في بعض الأحيان، تكون هناك دوافع وطنية لا يشعر بها إلا أبناء البلد.” ولعل خير مثال على كلام رامي، ما تم تحقيقه من نجاحات عراقية مذهلة عقب الاحتلال الأمريكي في كرة القدم، سواء في الأولمبياد أو في كأس أمم آسيا 2007.
وفي كتاب ” Social Psychology of Inclusion and Exclusion” لدومينيك أبرامز ومايكل هوج، وهو كتاب يناقش بشكل أساسي مسألة الاندماج والانعزال للجماعات غير الأصيلة في المجتمعات، تمت الإشارة إلى أن التجنيس لن يخلق اندماجاً حقيقياً في ظل عدم حصول المجنس على نفس حقوق المواطنة الكاملة وواجباتها، فالمزايا وحدها لن تكفي، فلا بد من شعوره بالمسوؤلية أيضاً.
ولعل أفضل مثال تم طرحه في الكتاب هو ذلك الذي أبرز عدم قدرة اللاجئين على الاندماج رغم حصولهم على مزايا كبيرة في الدول الغنية، لكن عدم شعورهم ببعض المسؤوليات مثل دفع الضرائب والتصويت في الانتخابات المختلفة يبقي شعورهم بالغربة عن البلاد، حتى إذا تم تجنيسهم؛ وتم فرض المسؤوليات عليهم مثلما تم منحهم كافة الحقوق، تصبح نسبة اندماجهم أعلى.
أما العامل الآخر الذي سيعيق اندماج المجنسين في مجتمعهم والمذكور في الكتاب، فهو نسبة المجنسين وجنسياتهم. وفي موضوعنا يمكن تصور المجتمع أنه الفريق، فلو كانت غالبية الفريق من المجنسين، تصبح الهوية ضائعة؛ ولو كانت نسبة عالية من المجنسين من جنسية واحدة، فإن هؤلاء لن يندمجوا مع أصحاب الجنسية الأصلية، وسينشأ داخل الفريق انتمائين.
الأبعاد النفسية للتجنيس الرياضي ذات تأثير مباشر على نجاحه طويل الأمد، وكذلك على الاستفادة منه بالشكل المثالي. ومن الأمثلة الذكية في اندماج المجنسين مع المجتمع ما قامت به الإمارات العربية المتحدة تجاه العداءة علياء محمد سعيد، التي زارت عدة مدارس وتحدثت إلى الطلاب بصفتها بطلة إماراتية، وكذلك ظهرت في محافل اجتماعية عديدة، الأمر الذي يجعلها تشعر بأنها جزء من المجتمع وعليها واجب تجاه فرحته.
في نهاية هذا الباب، يمكننا تلخيصه بالقول: “إن الفرحة والفخر مضمونين للمنتصر بغض النظر عن لون قميصه، لكن المسائل الأخرى هي التي تحتاج إلى عمل إداري أكبر من الاتحادات التي تمارس التجنيس الرياضي، سواء من حيث اندماجهم أو إشعارهم بقيمة القميص الوطني لتوفير الحافز الإضافي.
تابع الكاتب على الفيسبوك وتويتر: