يوليان ناغسلمان … شاب صغير بعقل كبير وفريد

جاسر جاءباالله – في الموسم الماضي وتحديدا قبل مباراة أتليتيكو مدريد ولايبزيغ كان هنالك لقاء صحفي لناغسلمان قال فيه شيء مهم وهو أن ما يميزه كمدرب، طريقة وكيفية التدخل داخل المباراة وتغيير طريقة لعبه لأنه أدرك عدة تفاصيل لضمان تطور فريقه وسط المباراة وتسييرها كما يريد، يقول كذلك لقد استخدمت هذا الموسم أكثر من عشرة طرق مختلفة من الخطط على اختلاف مسمياتها، لا يهمني نوع التشكيلات على إختلافها و تعددها بقدر ما يهمني إيجاد المساحة أمام الخصم وإيجاد أفضل اللاعبين الذين يمكنهم تطبيق تلك العملية مع الأخذ بعين الإعتبار طريقة لعب الخصم، إن التدريب 70% منه تركيز على التعامل والتفاهم مع شخصيات اللاعبين و 30% الباقية هي التكتيك.

يقول كذلك إن عمره الصغير كمدرب يجعله يتحدث نفس اللغة مع لاعبيه وكذلك إهتماماتهم العمرية تقريبا نفسها فالجميع يشاهد الأفلام ويستعمل وسائل التواصل ويسمعون نفس الموسيقى الشبابية ما يجعله قريباً أكثر منهم ويجعل الفريق بدرجة أصدقاء وليس بدرجة مدرب للاعبين.
حين قدم ريال مدريد عرضاً لهذا المدرب، أجاب بكل وضوح بالرفض وحين تم سؤاله عن السبب قال أن اللحظة لم تَحِن بعد ولم يصبح مستعداً لتجربة كبيرة كتلك، فهل هناك عاقل فعلاً يرفض تجربة ريال مدريد؟ أبدًا !! 
لكن ناغلسمان رفضها فعلاً وهو إن دلَّ على شيء فهو حتمًا يدل على مدى حكمة ورصانة هذا المدرب فلم يغريه الإسم ولا المكانة ولا حتى القفزة الكبيرة التي سيقفزها إسمه بل قرر عدم حرق المراحل والذهاب خطوة بخطوة لأنه يعلم أنه ومع أول سقوط لن يرحمه أحد و ستكون نهايته وشيكة.
حين كان مدربا لهوفنهايم وواجه ليفربول في الدور التمهيدي كان قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة بكلوب بعد خنقه داخل مناطقه وتطبيق الضغط العالي أمام فريق يعشق هذه النقطة بكل جرأة وحدةٍ و موضوعية.
في تلك البطولة التي وصل فيها ليفربول للنهائي وخسر أمام ريال مدريد وقلنا حينها أنه لو كان يملك عناصر أكثر جودة و خبرة كان ليفوز على كتيبة كلوب و يحقق المستحيل، بعدها واجه بيب والسيتي وكذلك قدم نفس السيناريو لكنه خرج بهدف مرير رغم تركه لأداء سيفتخر به طويلاً.. هذا المدرب أقصى مورينيو بقيادة توتنهام والسنة الماضية أحرج سيميوني و أقصى الأتلتي بعد أن كان من أبرز المرشحين للحصول على اللقب.
في سنة 2017 أخذ الفريق للمركز الثالث وهو ذات الفريق الذي كان يصارع على الهبوط و لا يتجاوز إنجازه المركز 15 في آخر السنة؛ من فريق في الحظيظ إلى فريق سيلعب دوري الأبطال، حينها لم يخسر سوى 9 مباريات.. في تلك السنة فاز يوليان على بايرن أنشيلوتي للمرة الأولى في تاريخ النادي و تحت قيادة شابٍ صغير بخبرة كبيرة ذلك الذي يبلغ حينها من العمر 29 سنة. 
قال أنشيلوتي لشبكة يوروسبورت بعد المباراة “من الطبيعي أن يحلم مدرب شاب وجيد مثل يوليان بتدريب فريق عالي المستوى كالبايرن “.
حين تعرض ناجلسمان لإصابة وهو لاعب جعلتها تنهي مسيرته مبكراً في سن ال20 سنة لم يتوانى لحظة في إختياره لعالم التدريب ولم يتراجع رغم وفاة والده في نفس اليوم الذي إعتزل فيه كرة القدم و ظل هو المسؤول عن عائلته وعن ووالدته.
يقول حينها أنه تعلم فعل كل شيء بدون مساعدة أحد، الطبخ وغسيل ملابسه والتسوق وتنظيف المنزل.. عرف طعم تحمل المسؤولية على صِغر سنه مما زاده تعرفا على خبايا الحياة ليكتسب أكثر وأكثر خبرة تحمل المسؤولية.
خلال سنة 2013 قال ناغلسمان: “قد أنقذني توخيل!”. 
يتساءل القارىء كيف ذلك ؟ 
يقول ناغلسمان :”ضحيت بشبابي من أجل كرة القدم لكنها لم تجازيني بأي شيء فعلت كل ما أملك في حقها لكنها خانتني ليتحول كل شيء من دون سابق إنذار..”.
من شخص على أعتاب الهاوية إلى المجد الأزلي لأن توخيل حين كان مدربا لأجسبورغ وثق بقدراته وأدرك تميزه التكتيكي الكبير والموهبة التي يمتلكها لذلك أوكله إكتشاف طريقة لعب الخصم وأن يرى بعينيه المواهب الدفينة في الفرق وفعلا وافق وكانت البداية من هناك.
عنوانه الأول التكنولوجيا الحديثة وهي التي يعول عليها كثيرا في حصصه التدريبية، في هوفنهايم إستعمل ما يسمى بال “FOOTBONAUT” وهي تقنية لتحسين إستقبال اللاعبين للكرة و التحكم بها عبر إرسال كرات سريعة نحوهم، يستعمل طائرة تتحكم يدويا و4 كاميرات في كل جهة من الملعب ويجلس ليشاهد ما يحدث عبر ال IPad ولا يمكننا أن ننسى تلك الشاشة الكبيرة التي يشرح فيها تحركات لاعبيه ويُصلح فيها ما شاهدهُ من تحرك خاطىء أو من تمركز في غير وقته ويبين للاعبيه الصحيح من الخطأ ويشرح بالتفصيل كل نقطة.
مشروع لايبزيغ ليس بالشيء الهين الذي سيندثر سريعاً لأنه مبني على قاعدة صحيحة بداية من ناغسلمان وصولاً لطريقة تسيير النادي الذين كونوا فريقاً حديث العهد بإمكانيات شبابية وبنظرة عميقة وحديثة بشكل لا يوصف، نحن الآن في عهد الفريق الذي صنعه الشاب الصغير ليصل به من اللاشيء صوب التفوق على اعتى الفرق والتقدم خطوة بخطوة في دوري الأبطال في سنة جديدة وحلم متجدد. 
وأي تجربة عظيمة حقق فيها المستحيل وهي لم تبدأ بعد مقارنة بسنة!!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *