محمد عواد – سبورت 360 – ليس هناك قصة أصعب مما حصل مع باير ليفركوزن في عام 2002، فالجميع يعرف ما جرى معه، فريق كان على وشك الفوز بكل شيء، فخسر كل شيء، ولم يتوج بأي لقب من يومها حتى يومنا هذا.
كيف خسروا كل شيء؟
من الجيد أن نبدأ باستذكار أو ذكر ما جرى في ذلك الموسم قبل 14 عاماً، ولعل الذهاب إلى الأيام الأخيرة من كل بطولة خسرها ليفركوزن سيكون أمراً مفيداً لمعرفة صعوبة ما جرى على لاعبيه ومدربه آنذاك.
يمكن اعتبار نسخة الدوري الألماني 2001-2002 أقوى نسخة عرفتها البطولة في القرن الحادي والعشرين، فقد تنافس ثلاثة فرق بقوة على اللقب حتى اليوم الأخير، ويكفي أن نعرف أن الترتيب النهائي كان بروسيا دورتموند (70 نقطة) – باير ليفركوزن (69 نقطة) – بايرن ميونخ (68 نقطة).
وصل ليفركوزن إلى الجولة 30 آنذاك وهو متصدر الترتيب بفارق 4 نقاط عن بروسيا دورتموند، ولم يكن هناك أي منطق بتوقع إنهياره بأي شكل من الأشكال، بعد التألق الواضح في كل البطولات.
ثلاث مباريات متتالية أضاعت كل شيء حتى الجولة 33، تعادل خارج ملعبه 1-1 مع هامبورج ثم أضاع الحسم بخسارته في ملعبه أمام فيردر بريمن 1-2، وبعدها سقط أمام نورينبرج في ملعب الأخير 1-0 ليفقد الصدارة.
بروسيا دورتموند في أخر الجولات خسر مرة وحقق 3 انتصارات سمحت له بخطف اللقب، وهو الذي فشل بالفوز على ليفركوزن، حيث تعادل ذهاباً 1-1 وخسر إياباً 0-4.
هناك في بطولة الكأس، كان ليفركوزن قد وصل المباراة النهائية لمواجهة شالكه، وتقدم في ذلك اللقاء 1-0 بأقدام برباتوف، لكن هدفاً جاء في الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول تسبب بإنهيار ذهني واضح للفريق، حتى أصبحت النتيجة 4-1 قبل أن يسجل كريستن هدفاً شرفياً لينتهي اللقاء 4-2.
لم يكن ليفركوزن في دوري الأبطال شيئاً لافتاً في البداية، فباستثناء تبادله الفوز مع برشلونة في دور المجموعات الأول، لم يظهر شيئاً مميزاً، فقد تأهل عن مجموعة فيها ليون وفنربغشة.
في دور المجموعات الثاني بدأ ليفركوزن بشكل كارثي حيث خسر 0-4 أمام يوفنتوس، ثم فاز على ديبورتيفو، وسقط بسهولة أمام آرسنال 4-1 وتعادل معه 1-1، ليصبح أقرب للخروج، قبل أن ينتفض ويهزم اليوفي 3-1 وثم ديبورتيفو في ملعبه بنفس النتيجة.
خلال طريقه للمباراة النهائية، أطاح ليفركوزن بليفربول وبعده بمانشستر يونايتد، وكان نصف النهائي درامي مع مان يونايتد، لأن الشياطين الحمر تقدموا 3 مرات، لكن ليفركوزن عادل في كل مناسبة، لينتهي الذهاب 2-2 والإياب 1-1.
فيديو هدف بالاك الرائع في شباك ليفربول:
المباراة النهائية ضد ريال مدريد، شهدت هدف زيدان الأسطوري الشهير وتقدم راؤول في الدقيقة 8 ورد لوسيو في الدقيقة 13، وهو اللقاء الذي حول كاسياس إلى أساسي حتى يومنا هذا، لأنه دخل بديلاً للحارس المصاب سيزار سانشيز في الدقيقة 68، وتصدى لكرات لا تنسى.
فيديو للحظات دخول كاسياس وتألقه بعدها:
ماذا جرى بالضبط؟
خسر باير ليفركوزن نهائي كأس المانيا في 11-أيار “مايو”، والسقوط أمام نوريبنرج الذي أضاع الصدارة كان في 27-نيسان “أبريل”، أما نهائي دوري الأبطال فكان في 15-أيار “مايو”.
لم يكن هناك مشاكل حقيقية في ليفركوزن من حيث وحدة الصفوف أو الإصابات في معظم لحظات الانهيار، لكن ما جرى كان أخطاء ذهنية وانهيارات بدنية، وعدم قدرة على التركيز في كل البطولات رغم امتلاك الفريق أسماء رائعة مثل بالاك وزي روبرتو ولوسيو وشنايدر ونوفوتني وكريستن وبرباتوف وبلاسينتي، لكن الفريق لم يملك العمق الكافي.
المدرب آنذاك كان اسمه كلاوس توبمولر، كان في موسمه الأول مع ليفركوزن، وشرح ما جرى في النهاية عقب هدف زيدان الشهير “زين الدين زيدان كصفقة أغلى من تكلفة كل فريقنا، يقولون لا تنفق أكثر مما تملك”
لاحقاً كشف المدرب نفسه عما جرى فعلاً قائلاً “لقد دخلنا في أحلام أكبر مما كنا نستطيع فعلها، قررنا رفع الحمل كاملاً، لم يمكن بقدرة تشكيلنا أن ينافس من أجل كل شيء”.
لقاء شالكه مثلاً يكشف حقيقة الانهيار البدني الذي جرى، فالفريق كان ساحقاً في الشوط الأول وكان بمقدوره الفوز 2 أو 3، لكنه استسلم في الشوط الثاني، كما أنه أمام ريال مدريد ورغم الفرص الكثيرة لم يكن يملك لاعبيه القدرة الكاملة على الحسم رغم سهولة بعض المواجهات للمرمى، كما أنه تأثر بغياب غياب زي روبرتو ونوفوتني.
يظهر جلياً في الشهر الحاسم، اضطرار ليفركوزن للعب بالتشكيل الأساسي بين الأبطال والدوري يكشف معنى كلام المدرب “لم يكن لدينا تشكيل كافٍ لهذا الطموح”.
بعض الاتهامات لبايرن
ما إن انتهى الموسم، حتى سارع بايرن ميونخ وخلال أقل من أسبوع لإعلان التعاقد مع أهم لاعبين في باير ليفركوزن آنذاك؛ مايكل بالاك وزي روبرتو.
كثير من جماهير ليفركوزن يؤمنون أن محاولات بايرن ميونخ هذه الذي طالت أيضاً المدافع لوسيو، ساهمت ببعض التشتت الذهني للفريق وللاعبين النجوم في الأسابيع الحاسمة، وأنه لم يحترم وجود فريق ينافس على كل شيء.
عندما أعلن بايرن ميونخ التعاقد مع ماريو جوتزه قبل نهائي دوري الأبطال ضد بروسيا دورتموند، تذكرت عدة صحف هذا الموقف، وتحدثت عما فعله بايرن قبل أكثر من 10 سنوات ضد ليفركوزن، واصفين الأمر بالخطرة المتكررة.
على هامش الكارثة .. تصريح بالاك المصدوم والاصبع المكسور والاسم السيء!
بعد الخسارة أمام ريال مدريد، لم يتمالك مايكل بالاك نفسه بتصريح انتشر عالمياً حيث قال “بعد ما جرى، أصبحت مؤمنا أن الرب ليس من ليفركوزن”.
ذلك التصريح لم يكن كل شيء غريب في موسم ليفركوزن العجيب، فقد كان أوليفر نوفيل خاض لقاء الإياب ضد مانشستر يونايتد باصبع قدم مكسور، وسجل هدف التعادل بطريقة جميلة، ليتحول إلى رمز مهم للتضحية مع انقاذ تاريخي آخر قام به المدافع الأرجنتيني بلاسينتي.
الفيديو يوضح الهدف والإنقاذ:
و بعد المؤسم المؤلم، سخرت الجماهير المعادية لباير ليفركوزن منه بإطلاق لقب ” Vizekusen” عليه، وهو اسم يعني “الوصيف – كوزن”، واستمر هذا الاسم مستعملاً بقوة حتى عام 2010، لتقوم إدارة النادي بتسجيله كعلامة تجارية، لمنع الآخرين من استعماله بسهولة.
المدرب المحبط الذي نسيه العالم
لا يعرف كثيرون ماذا جرى مع توبمولر عقب الموسم الكارثي، لكن مصيره يشبه قليلاً مصير كلوب بعد خسارة دوري الأبطال 2013، فهو في الموسم التالي وبعد رحيل أهم نجميه ونتيجة للإحباط النفسي المحيط بالتشكيل، كان قريباً من الهبوط، لتتم إقالته في شهر شباط “فبراير” 2003.
التجربة التالية كانت غريبة جداً لهذا المدرب، فبعد أن تولى القيادة في هامبورج، ظهر يائساً لا يخشى شيئاً، اخترع أشكال خطط حديدة، وغير أماكن اللاعبين باستمرار، لتتم إقالته وهو في المركز الأخير في مطلع موسمه الثاني، ثم كانت تجربة منتخب جورجيا الفاشلة أيضاً.
في عام 2013 تحدث كلاوس توبمولر محبطاً لصحيفة ميرور قائلاً “برشلونة، ليون، ديبورتيفو – قوي آنذاك – ، يوفنتوس، ثم الكتيبة الإنجليزية آرسنال وليفربول ومان يونايتد، هل هناك أصعب من هذه الطريق للفوز بلقب أوروبا؟”
عندما فقد الكثير من المدربين في الدوري الألماني مناصبهم عام 2012، تذكرت صحيفة بيلد المدرب الأسطوري لليفركوزن، لتنشر تقريراً عنوانه “المدرب المنسي في الدوري الألماني”.
وأضافت الصحيفة “منذ أن تمت إقالته من تدريب جورجيا عام 2008، لم يعمل مع أي فريق، وهو قال بكل صدق “الآن أستطيع الاستمتاع بكرة القدم”، وكان يتحدث عن دعوته لمشاهدة مباراة ليفركوزن وفالنسيا في دوري الأبطال”.
بيلد كشفت في تقريرها أن المدرب استهلك في حوار قصير معها كمية كبيرة من الدخان، ووصفت طريقته بالتدخين بالسريعة التي لا تتوقف، في حين أنه قال “جلوسي في الحانة مع أصدقائي وأشاهد المباريات يجعلني سعيداً”.
في تصريح آخر لتوبمولر يقول “ما زلت أذكر كل لحظة من اللحظات التي أدت إلى خسارتنا كل شيء، تصدي كاسياس وهدف راؤول وزيدان وأهداف شالكه، لم أكن أبحث عن ألقاب بقدر ما بحثت عن كرة جميلة، وفي ذلك الزمان لم يكن الأمر مقدراً في المانيا كما هو عليه الحال الآن”.
يؤكد المدرب في تصريحاته أنه تلقى عدة عروض للتدريب في أسيا وأفريقيا وحتى في أوروبا، لكنه يرفض أبداً الرحيل عن بلاده، وكشف موقع general-anzeiger الألماني في حوار معه خلال عام 2015 اشتراط مدرب ليفركوزن إدارة منتخب توجو عن بعد، أي أن لا يسافر إلى هناك إلا قبيل المباريات فقط، مما أفسد الكثير من العروض له لتدريب منتخبات.
ويعود المدرب المحبط ليقول “لدي عائلة هنا ولدي أحفاد وأصدقاء، هؤلاء سر سعادتي، لا أستطيع العمل بعيداً عن منزلي ووطني”.
يقولون عنه جلب إلى ليفركوزن عام 2001 عقلية الانتصار التي لم يكن يعرفها من قبل، لكن يبدو أن سفينته الجريئة تحطمت بشكل أو بأخر على صخور الكارثة، ولعل تكراره في كل تصريح عما خسره في ذلك الموسم بقوله “لقد كانت فرصة العمر، لكن الحظ لم يكن يريد لنا ذلك”، يوضح عدم قدرته على تجاوز ما مضى.
شيء من افتقاد التوازن الفني بعد الثلاثية الضائعة، سواء مع ليفركوزن أو هامبورج، ثم رغبة بالهروب من أي تحدٍ جديد بإيجاد أعذار مختلفة حتى لعروض الأندية الألمانية، هو أمر يؤكد أن الصدمة التي جرت في 2002 لم تحطم قلوب عشاق ليفركوزن وحسب، بل خلقت جرحاً نفسياً ما زال ممتداً حتى اليوم في داخل المدرب الذي نسيه العالم .. كلاوس توبمولر.
سناب شات : m-awaad