مقال ينشر بالتعاون مع الكاتب أمير بن رمضان
المايسترو، كوكب التنس ، رجل الجراند، الأفضل، رجل الأرقام القياسية في كرة المضرب، كلها ألقاب استحقها ظاهرة الرياضة في القرن ال21: ” روجر فيدرير “. اليوم يعود الملك روجر للتربع على عرش صدارة التصنيف العالمي بعد أكثر من 5 سنوات على آخر مرة كان فيها هناك. اليوم لا يعود روجر للتصنيف الأول وحسب بل يسجل رقما قياسيا جديدا كأكبر لاعب يحتل الصدارة. فكيف كانت بدايات المايسترو ؟ و هل ” الموهبة ” هي سبب نجاحه منقطع النظير ؟ و ما الذي يميز روجر عن جميع الرياضيين الآخرين ؟
” كان هناك مدرب في أول بطولة أخوضها و أخبرني أن أفضل شيء قد أفعله بهاتين اليدين هو احتساء كوب من القهوة. ذلك الرجل جعلني أغضب و غير شخصيتي قليلا. أصبحت أنهض في الليل أنير الحديقة و أسدد على الجدار مئات المرات فورهاند و باكهاند و كل أنواع الضربات حتى أتأكد أن كل واحدة منها مثالية. كنت أريد أن أكون هناك ( في قمة اللعبة ) و لكني كنت أرى عقبات كثيرة و أشخاصا لا يؤمنوني بي. ” هذه كانت الكلمات التي وصف بها روجر بداياته مع التنس بعد نهاية موسم 2017.
بدأ روجر بممارسة التنس و كرة القدم منذ ال8. قبل أن يقرر في ال12 أن يتفرغ كليا للتنس التي كان يتقنها أكثر من غيرها من الرياضات.
دافيد لوو أحد أولئك الذين شاهدوا روجر عن قرب في بداياته يحدثنا قليلا عن البطل السويسري في سنواته الأولى كمحترف : ” عدد المرات التي كان يقدم فيها أداء عشوائيا و يكسر مضاربه بسبب ذلك كان كبيرا… لم يكن ناضجا و تطلب الأمر وقتا طويلا ليصبح كذلك “
اللاعب السويسري السابق مارك روسيت يتحدث عن جانب آخر مهم من روجر الشاب : ” لقد كان الموهبة الجديدة في سويسرا لكنه كان كسولا… عادة عندما تكون صغيرا و تتدرب في الجولة مع اللاعبين الكبار تكون متوترا و تريد تقديم أداء كبير لكنه لم يكن مهتما و كنت أقول لنفسي واو !! واجهته أول مرة في نهائي مرسيليا و فزت عليه و كان يبكي في التتويج و كنت أقول هيا يا رجل لا تبك “
دافيد تحدث عن روجر الشاب خارج الملعب أيضا : ” لقد كان أحمقا، كان مجنونا بالموسيقى و ألعاب الفيديو السخيفة… “
روجر لم يكن ناجحا كثيرا في بداياته إذن و لم يكن هذا الرجل الهادئ الذي حالفنا الحظ بمشاهدته. فكيف حدث هذا التحول الرهيب ؟؟؟
دافيد لوو يتحدث عن 3 مواقف حولت روجر من ولد ” أحمق ” إلى رجل ” خارق “.
عشاق روجر الأوفياء يعرفون من هو بيتر كاتر و ماذا يعني للمايسترو. هو المدرب الذي رافق السويسري من سن ال9 إلى ال18 و الذي يقول عنه رجل الجراند : ” إنه أكثر شخص طورني تقنيا ” وفاة بيتر كارتر في حادث سيارة سنة 2002 كان نقطة تحول كبيرة في ذهن روجر وفقا لدافيد لوو ” لقد جعله ذلك يكبر بسرعة فائقة لأنه ربما لم يفكر بالموت سابقا… لقد عانى من مشاكل كبيرة جدا لتجاوز الأمر.
لقد كان شخصا رافقه طويلا و كان يراه كل يوم… ” يقول روجر متحدثا عن الأمر : ” لا أستطيع القول أن موته كان إيجابيا لكنه جعلني لاعب تنس أفضل. لقد أصبحت أقوى بكثير ذهنيا منذ أن بدأت ألعب لأفوز من أجله. ” والدة روجر لينات أكدت أنها كانت أول مرة يواجه فيها روجر تجربة موت شخص قريب.
هذه الحادثة أظهرت واحدة من أكبر مزايا البطل الذي نعرفه اليوم : القدرة على التعلم من الماضي. أهم سبب في عودة روجر للتصنيف الأول اليوم هي قدرته على التعلم مما حدث له سابقا و طوال مسيرته تعلم كيف يحترم تقدمه في السن و كيف يتعامل مع مشاكل الباكهاند بيد واحدة و عدة أمور أخرى و كل ذلك بدأ عندما تعلم من موت مدربه الذي رافقه طوال طفولته و بداية شبابه. لاحقا في 2004 و في الذكرى الثانية لوفاة مدربه فاز روجر ببطولة تورونتو للماستارز و قال حينها : ” هذا النصر هو لبيتر، فقط لبيتر “.
الموقف الثاني كان بعد سنة تقريبا على وفاة كارتر. إنه نصف نهائي ويمبلدون بين روجر فيدرير و أندي روديك سنة 2003 و كان الجميع يتحدث عن من منهما سيحضى بمسيرة أفضل كلاعب واعد. فيدرير حطم إرسال روديك الأسطوري يومها و فاز عليه بثلاث مجموعات نظيفة. ليفوز بعدها باللقب الأول له في الجراند. يقول لوو : ” كانت تلك اللحظة التي تخطى فيها روجر مرحلة التساؤلات عما إذا كان البطل القادم في اللعبة. أنا بطل حقا الآن و لست محل تساؤلات. لقد أزيح عنه حمل كبير بعد ذلك. “
الموقف الأخير و الذي حول روجر من فتى متهور إلى رجل هادئ و متزن كان افتراقه عن السويدي لاندغرين الذي كان يرافقه دائما ليقدم له النصائح و الإرشادات. ” فجأة أصبح روجر رجلا و لم يعد يحتاج لتلك العناية بعد الآن. ” هكذا وصف دافيد لوو الأمر.
ما حدث لاحقا حفر في التاريخ للأبد.
الكثير من المتابعين و المحللين حتى يرجعون الأمر ل”أسلوبه السهل ” و ” موهبته ” و ” مهاراته الخارقة ” و البعض يقول أنه ” من كوكب آخر ” و أنه ” يفوز دون جهد ” و ربما يفسر البعض ذلك ب ” السحر ” أيضا. لكن الواقع مختلف تماما عن ذلك. روجر بشر مثل الجميع و ليس من كوكب آخر و لم تلده أمه حاملا مضرب تنس و جاهزا للفوز أو ” موهوبا بالفطرة “. الكثير جدا من اللاعبين كانت لديهم مهارات أعلى من روجر في بداية مسيرته و الكثير جدا جدا منهم حققوا نتائج أفضل منه في مرحلة انفجار الموهبة أي بداية الاحتراف لكن المايسترو تجاوزهم جميعا لينصب نفسه ملكا للعبة بفضل ميزات و مهارات لا يملكها أحد.
أهم مهارات روجر ليست الباكهاند و لا الفورهاند و لا الإرسال بل هي الاستمرارية. ” الوصول للقمة صعب لكن الحفاظ عليها أصعب بكثير “. روجر فيدرير حافظ على القمة 237 أسبوعا على التوالي. روجر فيدرير يعود اليوم إلى القمة 14 سنة بعد أن احتلها أول مرة بعد أستراليا 2004. السر في استمرارية أي شخص هو مهارة خاصة اسمها التضحية.
روجر ضحى بكل شيء عبر السنوات ليحافظ على مستواه ثابتا تقريبا منذ 2003 إلى اليوم. و هنا يجب الإشادة بالعمل البدني للمايسترو. يتحدث الكثيرون عن كون روجر رجلا يفوز دون عناء و لا يبذل أي جهد على الملعب و يقولون أنه يتجنب الإصابات لأنه ” ليس محاربا ” لكن روجر تعب و حارب أكثر من أي شخص آخر ليكون على ما هو عليه اليوم. ما لا يعلمه معظم المتابعين أن روجر و حسب إحصائيات أجراها الITF في أستراليا 2016 يتحرك أسرع من جوكوفيش، نادال و فيرير كمعدل على الملعب.
وحده أندي موراي يتحرك بمعدل سرعة أعلى من روجر !!! لكي يقدم لكم أداء هجوميا سلسا و ممتعا و يتمكن من ضرب الكرة بعد الارتداد مباشرة روجر يبذله مجهودا بدنيا عاليا جدا جدا على الملعب و يصل للكرات مبكرا. سر الجاهزية البدنية الفريدة لروجر و عدم تأثره بعامل السن هو موهبة نادرة جدا تدعى الاجتهاد. يقول البطل السويسري : ” التنس قد تكون رياضة محبطة جدا. لا يوجد طريق غير العمل الجاد. تقبل ذلك. عليك أن تضع ساعات طويلة في التدريب لأن هنالك دائما شيئ يجب أن تطوره. ” يقول روجر عن عدم تعرضه للإصابات أو المشاكل البدنية : ” أنا فخور لأني لم أخسر تقريبا لأسباب بدنية خاصة مع تقدمي في السن حين كنت أعلم أنه علي العمل كثيرا ( للحفاظ على لياقته )، لقد فعلت ذلك. “
هذا باختصار هو روجر فيدرير أسطورة أساطير التنس و أحد أبرز الرياضيين عبر الزمن هو ليس خارقا و ليس فضائيا و لا يحقق الانجازات بسهولة لكنه تعلم الصبر و الهدوء و الاجتهاد و التضحية و التواضع أشياء يمكن للجميع تعلمها لكن قلائل جدا من يفعلون. روجر فيدرير قصة رجل حول اليد التي ” لا تصلح إلا لحمل كوب من القهوة ” إلى يد ذهبية لا تكاد تضع كأسا حتى ترفع أخرى.
فيديو مهم .. قصة أول لاعب قام بضربة مقصية في التاريخ